القضية الفلسطينية وسياسة الكيل بمكيالين

0
28

على المجتمع الدولي أن يدرك حقيقة واحدة وهي أن القضية الفلسطينية لن تموت، خاصة وأن الفلسطينيين ليس لديهم أي سبب للتخلي عنها في ظل الوجود الإسرائيلي غير الشرعي على أراضيهم، والسياسات الصهيونية القائمة على التمييز العنصري، واغتصاب وطنهم بدون وجه حق، والزحف الاستيطاني المجحف على أراضيهم، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية والإنسانية، ورغم ذلك يظلّ الأمل لديهم باقٍ مهما كانت التحديات والتهديدات. وفي هذا الإطار يأتي ما قامت به عناصر فلسطينية  من عملية أطلق عليها “طوفان الأقصى” مخترقة الغلاف الأمني، محطمة بذلك أسطورة القبة الحديدية، وللمرة الأولى يستخدم فيها عناصر تسليح متطورة في الهجوم على المستوطنات، والقيام بعمليات أسر كبيرة للجنود الإسرائيلين مما أظهر الوجه القبيح للعالم.

كتب المحلل السياسي ياسر حمدي: هؤلاء المتشدقون بالإنسانية ويعتبرون أنفسهم الحارس الأمين على حقوقها هاهم يكشفون عن وجههم، ويكيلون بمكيالين، وبدلًا من أن يجبروا إسرائيل على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه المحتلة، يساندونها على شنّ هجوم ساحق لتدمير قطاع غزة، ومعاقبة كل الفلسطينيين، وقتل المدنيين العزل من أطفال ونساء وهدم المنازل على رؤوسهم، في إنتهاك صريح لأبسط حقوق الإنسان!

إن جرائم القتل والتدمير والتهجير تعني أن الكيان الصهيونى يرتكب جريمة الإبادة الجماعية بحق المواطنين في قطاع غزة، في ظل حملة تجويع مسعورة وقطع الإمدادات بالاحتياجات الأساسية عن المواطنين المدنيين العزل في أبشع العقوبات الجماعية مثل قطع الكهرباء والمياه والأدوية والوقود وغيرها، وسيعني الإقدام على الغزو البري لغزة، توسع الغضب العربي والعالمي ضد الإجرام الصهيونى، والذي رغم كل الإرهاب الإعلامي والسياسي الغربي لم ينخفض ولم ينقلب، ومايزال حجم التعاطف مع القضية الفلسطينية واسعاً حول العالم.

يقول الخبراء: (إذا أقدم “الإسرائيلي” على غزو غزة برياً، فلن يسلم من نتائجه الكبرى، لا الصهاينة ولا حلفاؤهم ورعاتهم. وهذا ما يدركه جيداً الأمريكان على وجه الخصوص، ولذا يسعون – أو على الأقل تيار سياسي ضمنهم – إلى حصر رقعة الصراع لتقليل خسائرهم وخسائر الكيان التي وقعت، ولا مجال للتراجع عنها أو لتعويضها).

كتب الصحفي والمحلل الأمريكي توماس فريدمان، الخبير في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، مقالاً في صحيفة “نيويورك تايمز”، يعبر فيه عن مخاوفه من خطّة إسرائيل لاجتياح غزة وعن اعتراضه عليها، يقول فيه إن هذا الاجتياح سيحوّل ما سماه “الهزيمة التكتيكية” التي تعرضت لها إسرائيل على يد المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر  إلى “أزمة استراتيجية وعسكرية طويلة الأمد داخل إسرائيل”.

الكيان خسر بكل الأحوال، سواء دخل برياً أم لم يدخل، ولكن إن لم يدخل برياً فإنه سيترك لنفسه هامشاً لتأجيل الخسائر الكبرى المستحقة بعض الوقت لا أكثر، وعلى رأسها: أن الباب قد فتح بشكل لا رجعة فيه نحو إقامة الدولة الفلسطينية على أساس تطبيق القرارات الدولية.

الملفت للنظر هو تصريح مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون وحسن الجوار أوليفر فارهيلي، عن أن الإتحاد الأوروبي علق جميع مساعداته للشعب الفلسطيني، ويراجع المشاريع المشتركة بسبب تصاعد الصراع مع إسرائيل، وكتب على منصة أكس: “وصل نطاق الإرهاب والوحشية تجاه إسرائيل وشعبها إلى نقطة تحوّل.. تقوم المفوضية الأوروبية باعتبارها أكبر طرف مانح للفلسطينيين، بمراجعة مجموعة كاملة من مشاريع التنمية بقيمة تزيد عن 691 مليون يورو، وإن الإتحاد الأوروبي يعلق على وجه السرعة كل المدفوعات لصالح الفلسطينيين، كما يتم تعليق العمل على كل المشاريع الجديدة بما في ذلك لعام 2023”!!..

الغريب أن فارهيلي وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب! والأغرب هو معاقبة شعب يطالب بأبسط حقوقه في الحياة.. والإتحاد الأوروبي دائمًا ما يصدّر نفسه للعالم أنه راعي حقوق الإنسان والمحافظة عليها! فأين هو من حقوق الإنسان التي تنتهكها قوات الإحتلال الصهيوني على مرآى ومسمع من العالم كله تجاه الأطفال والنساء وكبار السن بل وكافة الشعب الفلسطيني؟!.

بعد عملية طوفان الأقصى، سارع الغرب بمعاقبة الشعب الفلسطيني كله، والوقوف بجانب المحتل الغاصب ومساندته بالقوة تجاه صاحب الحق والأرض، حتى أن الولايات المتحدة أرسلت حاملات الطائرات وعليها عدد من الجنود الأمريكيين وكل طواقمها لمساعدة إسرائيل في شن حرب خسيسة على قطاع غزة. ولأن العالم يكيل الحقيقة بمكيالين، وفضحتهم عملية طوفان الأقصى، فقد وصفوا المقاومة بالإرهاب، والعدو بصاحب الحق، وانتفضوا جميعًا لمساندة ومؤازرة إسرائيل وتضامنوا معها ضد صاحب الأرض،  مع العلم أننا لم نرَ إنتفاضة للنظام العالمي لما تقوم به قوات الإحتلال من انتهاكات سافرة تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل منذ عام 1948.

إنتفاضة الدول الغربية ضد القضية الفلسطينية أزاح الستار عن الوجه القبيح لأمريكا ودول الإتحاد الأوروبي، وكشفت حقيقة شعاراتهم الكاذبة عن حقوق الإنسان، وأكدت أن الحقيقة عند الغرب لها وجهان وليس وجه واحد كما يدعون، وإنهم يستغلون كل شعاراتهم المضللة لإيهام الشعوب العربية ودول العالم الثالث والضغط على حكوماتهم بإصدار تقارير وهمية ومزيفة بحجج واهية، الغرض منها خدمة مصالحهم الخبيثه تجاه تدمير هذه الشعوب.

يبقى السؤال: ما هو السبب وراء قوة ودعم العالم للنظام الصهيوني دائماً ؟

والإجابة تتمثل في أنّ النظام الصهيونى يعتمد على ثلاث محاور؛ أوّلها أن هدفهم في أي استيلاء محدد، وثانيهم أن نجاحهم الدائم في معرفة أساليب وكيفية تسويق مبرراتهم في أي قضية، أما المحور الثالث فيتمثل فى إستخدامهم المسكنة والدهاء والكذب والخداع في إستمالة أصحاب الوجوه المتعددة فى العالم كأوروبا والأمريكان.

إنّ ما يحدث من إعتداءات وحشية متواصلة تمارسها قوات الإحتلال بحق الشعب الفلسطيني، يتطلب وقفة جادة وحاسمة من المجتمع الدولي، من أجل تجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر، وبذل كافة الجهود وعلى كل المستويات حتى تتحقق حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة،  وأيضا من أجل تجنب المنطقة المزيد من التوتر والتصعيد وعدم الاستقرار.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي