جرائم الكيان الصهيوني في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

0
45

تابع العالم الهجوم الشرس العشوائي الذي شنه الكيان الصهيوني على قطاع غزة رداً على عملية (طوفان الأقصى) التي قادتها حركة حماس. استخدم هذا الكيان في الهجوم أسلحة متفجرة أسقطها على مناطق مكتظة بالسكان، دمرت المدارس والمستشفيات والبنية التحية لقطاع غزة وسبّب ذلك ضرراً كبيراً للمدنيين، حيث استشهد منهم عدد كبير من الأطفال والنساء وكبار السن، وكل ذلك تمّ بشراكة من عدوة الشعوب، الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية.

ويعدّ ذلك حسب المادة (5) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما عام 1998 من الجرائم التي تدخل في اختصاص هذه المحكمة، فهي جرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، وجريمة عدوان، وتتوافر فيها جميع اركان الجريمة.

 ومن أبرز هذه الأركان في جريمة الإبادة الجماعية أن العدو الصهيوني قتل وأباد أشخاصاً، أو أسفر فعله عن إلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم بهم، وفرض أحوالاً معيشية معينة عليهم، ونقلهم قسرا، بما فيهم الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وكان ينوي إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية، كلياً أو جزئياً، بصفتها تلك. (المادة (6) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).

كما تتمثل أركان الجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبها العدو الصهيوني في القتل المتعمد وهو يعلم أنه يرتكب هذه الجريمة كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين، يهدف بها إبادتهم بقتل جماعي لأفراد مجموعة من السكان المدنيين، كما تعدّ من هذه الجرائم الترحيل أو النقل القسري لسكان غزة إلى مكان آخر بالطرد. (المــادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).

وتعدّ من جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان الصهيوني تعمده شنّ هجوم واسع مع علمه بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح وإصابات بين المدنيين الحقت أضراراً مدنية، وضرراً واسع النطاق وطويل الأجل وشديداً للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة، وقيامه بمهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني  التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت، وتعمده توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف طبقاً للقانون الدولي، وتعمده تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف. (المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).

إن الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني في حربه على قطاع غزة لا يحتاج إلى كثير من العناء في التحقيق وفي الإثبات، فهي موثقة ومكشوفة وعلى مسمع ومرأى من العالم، وأنه يكفي ما صرح به قادة هذا الكيان، ومن ابرزهم وزير دفاعه ( يوآف غالانت)، حين أعلن في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى الإجراءات العقابية قائلاً: (لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق)، مضيفاً: (نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك)، وحين أمر وزير البنية التحتية بالقطع الفوري لإمدادات المياه عن قطاع غزة، وحين أعلن وزير الطاقة أن سلطات الكيان لن تقدّم بعد الآن الكهرباء لسكان غزة.

كل هذه الجرائم تختص بها المحكمة الجنائية الدولية حسب نظامها الأساسي لا جدال فيه ارتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لكن السؤال المهم هل يمكن لهذه المحكمة التحقيق فيها ومعاقبة مرتكبيها؟

إن التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية يتم في حالة فيما إذا كانت الدولة التي أرتكب مواطنوها الجرائم عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، أو أن تُرتكب الجريمة في بلد عضو في المحكمة الجنائية الدولية، وهذا ينطبق على فلسطين لأنها أصبحت عضواً في المحكمة منذ عام 2015 ،بعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً في عام 2012، تمّ بموجبه رفع مستوى فلسطين إلى دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. لذلك تمّ وصف هذا التغيير في المستوى بأنه اعتراف فعلي بدولة فلسطين ذات السيادة.

وقد شكّل قبول دولة فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية حدثا بارزاً، وأصدرت دولة فلسطين بيانًا أعلنت فيه أن (فلسطين ترحب بهذه الخطوة كخطوة طال انتظارها لدفع العملية قدماً نحو التحقيق، بعد ما يقرب من خمس سنوات طويلة وصعبة من التحقيق الأولي)

وفي 5 فبراير 2021 أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن الأراضي الفلسطينية تقع ضمن اختصاصها القضائي، مما يمهد لفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب محتملة فيها، الذي يمتد إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وكان الاتهام الموجه للكيان الصهيوني إقامة مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية وانتهاك قوانين الحرب خلال الحرب على غزة 2014، بما في ذلك استهداف منشآت الصليب الأحمر.

وكانت المدعية العامة (فاتو بن سودة) قد قالت في تقريرها للمحكمة أنه تمّ استيفاء معايير التحقيق الكامل، ولكن لم يتم تحديد الاختصاص القضائي، وأنها راضٍية عن ارتكاب جرائم حرب في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة.

وفي اليوم الذي أكدت فيه المحكمة الجنائية الدولية فتح التحقيق، أصدر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بيانًا أعرب فيه عن (خيبة أمل الإدارة من القرار وانه ليس للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على هذه المسألة. وإسرائيل ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية ولم توافق على اختصاص المحكمة، ولدينا مخاوف جدية بشأن محاولات المحكمة الجنائية الدولية لممارسة اختصاصها على الموظفين الإسرائيليين).

 وفرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب عقوبات على المدعية العامة ومسؤول آخر كبير في المحكمة في سبتمبر 2020، ووصف نتانياهو المحكمة الجنائية الدولية بأنها هيئة سياسية معتبراً إن المحكمة بقرارها هذا تلحق ضرراً بحق الديمقراطيات في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب.

ويرى المحامي الفلسطيني محمد دحلة، الخبير بالقانون الدولي، أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الحالة في فلسطين، بالوصول إلى وضع يُحاكم فيه إسرائيليون، سواء كانوا سياسيين أو عسكريين، على قضايا تتعلق بجرائم حرب ضد الفلسطينيين فهذا، بالنسبة لهم، بمثابة هزة أرضية.

غير انه على الرغم من قبول المحكمة الجنائية الدولية عضوية فلسطين في المحكمة وبدء التحقيق في التهم الموجه للكيان الصهيوني بإقامة مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية وانتهاك قوانين الحرب خلال الحرب على غزة 2014، بما في ذلك استهداف منشآت الصليب الأحمر، فإن هذا لم يمنع الكيان الصهيوني من تكرار انتهاكه للقانون الدولي الإنساني، فشنّ حربه الراهنة على قطاع غزة بقسوة أشد، وانتهاكاً لكل الأعراف والقوانين الدولية، ولعل مرد ذلك لعيوب في المحكمة واجراءاتها التي  تؤخر أو تعطل  تحقيق العدالة من أهمها ما يلي :

  1. ما يسمى بالدور التكميلي للمحاكم الوطنية، إذ لا تنظر المحكمة في الدعاوى إلا إذا كانت الدول غير قادرة على مساءلة المشتبه بهم أو غير راغبة في ذلك
  2. المحكمة تعاقب الأفراد بصفتهم مجرمين يتحملون مسؤولية جنائية فردية ولا تلزِم الدول تَحمّل مسؤولية كبرى الجرائم الدولية التي تدخل في اختصاصها مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان
  3. 3.     تتداخل السياسة بالقانون في الإطار الذي أنشئت فيه المحكمة، فهي منظمة دولية تعمل بشكل وثيق تحت إشراف ورقابة الدول الأعضاء فيها.
  4. يصعب الحديث عن استقلالية المحكمة في ظل سلطتي الإحالة والإرجاء اللتين يمنحهما نظام روما لمجلس الأمن الدولي بموجب المادتين 13 و16، إذ يحقّ للمجلس إحالة قضايا يقرر أنها تهدد الأمن والسلم الدوليين من جهة، ووقف التحقيق والمقاضاة في قضايا أخرى وتأجيلهما، لدواعٍ سلمية وأمنية أيضاً من جهة أخرى.
  5. عدم وجود جهاز تنفيذي تابع للمحكمة لضمان تطبيق أحكامها، يُعتبر إحدى أهم نقاط ضعفها، إذ تعتمد على تعاون الدول لدخول المحققين للأراضي التي يجب التحقيق فيها، والحصول على الوثائق والأدلَّة والتفتيش عن المشتبه بهم وإلقاء القبض عليهم وتسليمهم لها.
  6. رغم أن النظام الأساسي للمحكمة يلزم إلزام الدول الأطراف التعاونَ مع المحكمة فيما تجرِيه من تحقيقات (المادة 86)، فإنه لا ينصّ على إجراءات عقابية في حال رفض الدولة التعاون، وأقصى ما يمكن للمحكمة أن تذهب إليه هو أن تحيل الموضوع إلى جمعية الدول الأطراف، أو إلى مجلس الأمن الدولي إذا كان قد أحال المسألة إلى المحكمة.

لذلك فانه على الرغم من أهمية عضوية دولة فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية فلا نتوقع مثول مجرمي الكيان الصهيوني في غزة أمامها إلا بتوافق دولي، وهو أمر بعيد المنال.