الكيل بمكيالين هو مفهوم سياسي يشير إلى أي مجموعة من المبادئ التي تتضمن أحكامًا مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى. والكيل بمكيالين مبادئ يُنظر إليها على أنها مقبولة لاستخدامها من قبل مجموعة من الناس، ولكنها تُعتبر غير مقبولة ومن المحرمات، عندما تُستخدم من قبل مجموعة أخرى. سياسة الكيل بمكيالين، يمكن وصفها بأنها نوع من التحيز وظالمة لأنها تنتهك مقولة أساسية في الفقه القانوني الحديث: أن جميع الأطراف يجب أن تقف على قدم المساواة أمام القانون.
المعايير المزدوجة فيما يخص القضية الفلسطينية ليس بالأمر الجديد، إذ بدأت معالمها منذ النكبة، وصولاً إلى طوفان الأقصى. إن حقوق الإنسان أصبحت أكذوبة مخادعة، لأنها دائمًا ما تكون لصالح أُناس دون أُناس من الغربيين وإخوانهم الصهاينة، أما إن كانت الدعاوى ضد العرب وضد ما يسمونه بدول العالم الثالث فإنها ستقام عليهم, وتنصب لأجلهم المحاكم، وسيتم القبض على المتهمين منهم بالقوة, ويعتبرون ملاحقتهم ومطاردتهم واجبًا إنسانيًا.
العملية العظيمة “طوفان الأقصى” التي هزت الكيان الصهيوني وكبدته خسائر كبيرة في الممتلكات والأرواح، وقعت بعد سنوات من الحصار الاقتصادي والسياسي، والانتهاكات الوحشية اليومية لأهل غزة والمسجد الأقصى، يقابل ذلك صمت مريب للمجتمع الدولي، أو تأييد صريح من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي لدولة الكيان الصهيوني.
ولأن عملية طوفان الأقصى أصابت العدو الصهيوني في مقتل، أتت تصريحات مسؤوليه منفلته ومرتبكة، بدأً من رئيس الحكومة نتنياهو الذي قال بأن “يوم السابع من أكتوبر سيبقى يوم أسود في تاريخ الشعوب والأفظع للشعب اليهودي منذ المحرقة النازية”. أما وزير الدفاع غالانت فقد وصف حركة حماس وقادتها “بداعش” وأمر بمنع الطعام والماء وقطع الكهرباء عن غزة بأكملها. والحقيقة أن وصف حماس التي تدافع عن أرضها وشعبها “بداعش” أو تشبيه عملية “طوفان الأقصى” بالمحرقة التي قام بها النازيون بحق اليهود، لهو إفلاس سياسي وانحطاط أخلاقي بائس.
ومن المثير للسخرية ما صرح بهِ وزير الخارجية الأمريكي في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال بلينكن: “أنا ممتن لأن أكون هنا في إسرائيل، أتحدث بشكل شخصي، وأتيت كيهودي”، مكرراً الإدعاء بأن “حماس قامت بذبح الأطفال وحرقهم”. وهذه “النكتة” السخيفة أكدها الرئيس الأمريكي بايدن بنفسه. ولأنها نكتة واتهام باطل، لم يتعاطى معها الإعلام العالمي، بما فيه الإعلام الأوروبي الغربي والأمريكي الذي مارس ”الفزعة” السياسية والإعلامية في صالح “إسرائيل” وهي بلا شك “فزعة” خالية من كل مضمون أخلاقي وسياسي، لأن المواقف المبدئية لا تخضع لمنطق الكيل بمكيالين.
وما تشبيه 7 أكتوبر ب 11 سبتمبر 2001 إلا مجرد أكذوبة جديدة لأمريكا، و “بروباغندا” ليست غريبة على البيت الأبيض، ولهي وصمة عار جديدة ترتكبها، كوصمات عارها الكثيرة التي تعود لتعتذر عنها بعد عشرات السنين!
ويجب الإشادة هنا بالموقف الروسي، وبمتحدثهِ السيد فاسيلي نيبينزيا، المندوب الروسي بمجلس الأمن، الذي قال بأن “واشنطن تروج الأكاذيب دعمًا لإسرائيل ضد الفلسطينيين دون إيجاد حل، والقصف العشوائي للمناطق السكنية في غزة أمر غير مقبول”.
في زمن التطور الهائل في أدوات الاتصال والإعلام وتوثيق الأحداث والانتهاكات لحقوق الإنسان بالصوت والصورة، لم يعد يُجدي ممارسة الكذب وتزييف الحقائق في هذا العالم الذي يوصف بالقرية الصغيرة. الحقيقة التي يعرفها العالم أجمع هي أن “إسرائيل” كيان غاصب ومحتل لفلسطين، وتقصف المدنيين في غزة، وتقتل الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، بوحشية لا يمكن وصفها.
لذلك على مختلف الشعوب حول العالم، وبالتحديد في أوروبا وأمريكا الشمالية، عليهم أن يصدقوا واحدة من اثنتين ليعرفوا الحقيقة ويكونوا بشراً، إما إعلامكم ومسؤولونكم، أو أعينكم وضمائركم!