طوفان الأقصى يُزلزل الكيان الصهيوني

0
69

معظم الدول المستعمَرة في آسيا وأفريقيا نالت استقلالها الوطني منذ القرن الماضي، ورحل نظام الفصل العنصري “الأبارتيد” في جنوب أفريقيا عام 1990، ولكن بقي آخر محتل ومستعمر في القرن الحالي هو الكيان الصهيوني جاثماً على رقاب الشعب الفلسطيني الشقيق منذ عام 1948، خمسة وسبعون عاماً وهو يمارس سياسة القتل والاعتقال والترهيب والتهجير  بحقه، ولا يلتزم بالقرارات الدولية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة منذ عام 1947، بما في ذلك قرار التقسيم وقيام الدولتين، رغم أن هذا القرار مرفوض من العديد من القوى السياسية الفلسطينية والعربية والآن أكثر من السنين الماضية، لكنه يحظى بدعم وتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية، رغم معرفتهم بالجرائم والمجازر الدموية التي ارتكِبت ولازالت ترتكب  بحق الشعب الفلسطيني الشقيق، ولكنهم لا يحركون ساكناً.

 تفاوضت  قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، سرياً، بقيادة الشهيد ياسر عرفات مع ممثلين عن الكيان الصهيوني في أوسلو عاصمة النرويج في عام 1993، وانتهت المفاوضات إلى ما عرف فيما بعد باتفاقية أوسلو بعد التوقيع عليها من كل من إسحق رابين وياسر عرفات، في البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد رفضتها العديد من  فصائل الثورة الفلسطينية،  في الوقت الذي لازالت قيادة منظمة التحرير تتمسك بها، وانطلق رفض الفصائل الفلسطينية لها، لكونها تنتقص  من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة للاجئين وقيام الدولة المستقلة،  ومن وقَّع على الاتفاقية  من قبل الكيان الصهيوني، أي رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إسحق رابين على يد عنصر متطرف من القوى اليمينية الصهيونية التي رفضت التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية أو الاعتراف بها، وبعد ذلك عُقِدَ مؤتمر مدريد في أواخر أكتوبر من عام 1991 بحضور الدول العربية: سوريا، لبنان، مصر، ووفد مشترك فلسطيني – أردني بإشراف روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وبالطبع بحضور الوفد الإسرائيلي، ولكن المؤتمر  فشل بسبب إصرار الكيان الصهيوني على مواقفه ورفضه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، .وبدءاً من 29 مارس من عام 2001 تمَّت محاصرة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر إقامته في رام الله، بأمر مباشر من رئيس الوزراء الصهيوني  آنذاك  أرئيل شارون وبعدها تمَّ قتله مسموماً من قبل الكيان الصهيوني في عام 2004 حيث توفي في باريس التي كان يُعالج فيها.

 إن كل ذلك يُظهر أنّ تاريخ الصهاينة أسود، فهم لا يريدون قيام الدولة الفلسطينية الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، ويدعمهم في ذلك معظم الرؤساء الأمريكان، واليوم تتشكل الحكومة من القوى اليمينية والأكثر تطرفاً وفاشية في تاريخ الكيان بقيادة نتنياهو، ففيها قوى تمثل الفاشية والعنصرية الصهيونية والمستوطنين، ومنذ تشكيل تلك الحكومة قُتِلَ المئات من الشباب الفلسطيني في مدن وقرى ومخيمات  الضفة الغربية، وتمَّ الاعتداء عشرات المرات على  المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى من خلال عصابات  المستوطنين وبتعاون مع الشرطة الإسرائيلية، واستمرّ سجن واعتقال الآلاف من الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني، هذا في الضفة الغربية، أما قطاع غزة فهو محاصر منذ سبعة عشر عاماً.

عملية (طوفان الأقصى) التي قامت بها المقاومة في السابع من أكتوبر 2023، هي نتيجة تلك الأسباب التي وصلت إلى طرق مسدودة ، فلم يُرفع الحصار عن قطاع غزة ولم يتوقف الكيان الصهيوني عن سياساته العدوانية في الضفة الغربية والقدس،  وظلّ يمارس عربدته الفاشية هناك بالقتل والاعتقال والترهيب والمطاردة للشباب الفلسطيني، وخلال عام 2023 قُتل في الضفة الغربية أكثر من  700 شاب، مما أدَّى إلى تزايد المقاومة المسلحة في وجه قوات الاحتلال الصهيوني في أكثر من مدينة ومخيم، والتصدي لقوات الاحتلال الصهيوني بكل  بأس وشجاعة وزاد الوضع سوءاً، بعد أن شكَّل نتنياهو حكومته الصهيونية الفاشية التي زاد العديد من  وزرائها من كرههم وعدائهم للفلسطينيين من خلال استفزازهم والاعتداء عليهم في القدس وفي المسجد الأقصى خاصة.

 وحتى اتفاقية “أوسلو” التي وقعوا عليها، تخلَّى الكيان الصهيوني عنها، ولا يلتزم بأي قرار دولي والأكثر من هذا وذاك فإنه يحصل على دعم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ، كما يتّضح ذلك حالياً بعد عملية “طوفان الأقصى”، وما تلاها من حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المنكوبة، حيث سكت ما يصف نفسه بالعالم الحر  عمَّا يجري من جرائم حرب يندى لها الجبين، ويجري تحميل الضحيةَ وزر الجرائمَ والمجازرَ المرتكبة في غزة، وها نحن شهود على حقيقة تشدق الغرب بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فيما يقوم قادة هذا الغرب، الأمريكان والأوروبيون، بتشجيع الكيان الصهيوني على إبادة الشعب الفلسطيني كما تكشف ذلك تصريحات الرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي، والمستشار الألماني ورئيسة وزراء إيطاليا وغيرهم، وسوف يلاحقهم العار والخزي على تلك المواقف التي تكيل بمكيالين، ولا تختلف مواقف الدول العربية المطبعة عن مواقف هؤلاء القادة الأوروبيين والرئيس الأمريكي، بالمقابل تقف الشعوب العربية، قلباً وقالباً، مع المقاومة الفلسطينية وتثمِّن تلك التضحيات الكبيرة من أجل دحر قوات الاحتلال الصهيوني وعصابات المستوطنين، وإقامة الفلسطينية الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.

على المجتمع الدولي أن يضغط على الكيان الصهيوني بوقف مجازره المروعة الدموية بحق أطفال وشباب ونساء فلسطين، فالمجزرة التي ارتكِبت في يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 في مستشفى المعمداني وراح ضحيتها المئات من الفلسطينيين الأبرياء بما في ذلك المرضى وغيرهم، جاءت نتيجة الدعم والمساندة من قبل الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الذي صدَّعوا رؤوسنا وهم يتباكون على الشعب الأوكراني، فيما يغضون الطرف عن الإبادة الصهيونية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والمخزي أن يتقاطع الموقف العربي الرسمي مع الأمريكان في رؤيته للحرب وتحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية، وهي التي تدافع وتقاتل من أجل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فيما تطالبها شعوبها باتخاذ مواقف واضحة بالتخلي عن اتفاقيات التطبيع وطرد سفراء الكيان الصهيوني من بلداننا العربية، والوقوف مع نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني الشقيق لنيل حقوقه.