لسنا بحاجة للقول إن عدوانية الكيان الصهيوني وما تمارسه حكومته من إرهاب منظم وعدوانية ضد الشعب الفلسطيني فاقت كل ما عرف عن هذا الكيان من وحشية منذ انشاءه منذ أكثر من سبعين عاماً، فالمجازر البشعة التي ترتكبها آلة الحرب الصهيونية لم تعد خافية على العالم وصناع القرار فيه، خاصة وأن وسائط الإعلام المرئي والمسموع و”السوشيال ميديا” باتت تنقل لنا وعلى مدار الساعة جرائم الاحتلال وممارساته القمعية ضد شعبنا الصامد في فلسطين، وحتى في فترات الهدوء النسبي التي تتسم عربياً على وجه التحديد، بحالة من الترويج غير المبرر والمدفوع الثمن، بطبيعة الحال، لنظام الفصل العنصري في الأراضي المحتلة من قبل منظمات دولية وأنظمة داعمة وأخرى متخاذلة مع دولة الكيان، تحت مبررات تحقيق الاستقرار وتعزيز مسارات التنمية أو التعاون الاقتصادي وغيرها من ذرائع وأوهام، غير أن ذلك كله سرعان ما يخبو ويتلاشى منذ أول وهلة حين يتم تفعيل آلة الحرب الصهيونية مجدداً، ليتمّ تناسي كل حديث عن التنمية والتعاون، ليكتشف الجميع بعدها أن هذا الكيان الاستعماري المزروع عنوة في محيطنا العربي ما هو إلا مجرد أداة لتعزيز حالة الهيمنة وعدم الاستقرار وإشعال الحروب والفتن، حيثما تصل إليه أذرعه واستخباراته المدعومة بكل قوّة من قبل قوى الاستعمار الامبيريالي القديم المتجدد.
وليس أدلّ على ما نقول وما نتابعه اليوم، ومع اشتعال الحرب الدائرة في غزة الصامدة من تهافت واندفاع دولي مجنون تقوده الولايات المتحدة الاميركية وشركائها الغربيون في الوقوف بكل امكاناتهم العسكرية وأساطيلهم العابرة للمحيطات وإمكاناتهم البشرية إلى جانب كيانهم المصطنع، الذي يرونه ضرورة لا يمكن التفريط بها مهما جرت في العالم من تحولات سياسية واقتصادية وتكنولوجية، فها هي أساطيل الغرب وجيوشه وعتاده واستخباراته تتناسى للوهلة الأولى أنها لازالت منهكة ومتعبة من تبعات وخيبات ودمار حربهم الضروس في أوكرانيا، لتنتقل تلك البوارج والأساطيل لمنطقة يراد الإبقاء فيها على حالة احتدام الصراع منذ عقود سبعة مضت، بسبب وجود هذا الكيان المبني على أشلاء شعبنا الفلسطيني الصامد؛ تلك السياسات الإمبريالية القائمة على إشاعة الإرهاب المنظم والحروب والانقلابات والفتن ونشر الفقر وصناعة الدول الفاشلة، الغارقة في مديونياتها دون توقف، استكمالا إلى ما تفتقت عنه عقلية وسياسات الغرب منذ سايكس بيكو حتى اليوم.
الغريب أن العديد من الأنظمة الخانعة تتناسى ذلك سريعاً نزولاً عند رغباتها في البقاء بأي ثمن، بل وتتناسى كل تلك الحقائق محاولة إقناع شعوبها أن السلام لازال ممكناً مع هذا الكيان، وإن بقيت كل تلك الحقائق ماثلة أمام الجميع!!
وفي ظلّ ما رشح حتى الآن بعد العدوان الاخير على غزة المقاومة، وبعد تمريغ وجه الاحتلال في الوحل بأدوات وإمكانيات المقاومة العسكرية المتواضعة، لازال البعض يكابر في أن السلام لازال ممكنا مع الكيان، وأن إمكانيات بناء شراكات اقتصادية واستراتيجية معه من شأنها أن تقود إلى مزيدٍ من الاستقرار المزعوم والتنمية المأمولة في المنطقة!
من المفيد القول إن طوفان الأقصى قد أجهض حتى الآن على الأقل، جزءاً مهماً من توجهات التطبيع مع الكيان الصهيوني، بعد أن كانت حكومته منتشية تماماً بمسارات التطبيع، غير مكترثة بالحقّ الفلسطيني المشروع، أو حتى بالقرارات والإتفاقيات الدولية المتعلقة بالقضية المركزية لشعوب دول المنطقة، وهذا في حدّ ذاته نجاح يحسب لقوى المقاومة بكل تأكيد، إلا أن ذلك غير كاف بكل تأكيد، فالمؤمل كحد ادنى أن وحدة الصف والقرار الفلسطيني يجب أن تواكب حجم الحدث المزلزل وتبعاته المنتظرة، بعيداً عن أية حسابات من الواضح ان عدة أطراف تطمح بكل وضوح أن تستفيد منها، فهذا الزلزال الذي أعاد قضية فلسطين للواجهة وبكل قوة يجب أن يستثمر فلسطينياً وعربياً وإقليمياً أيضاً، بطريقة تتجاوز التعاطي العاطفي العابر أو الحسابات الخاصة، والذي أثبتت التجارب أنه قابل للنسيان والتجاوز إذا لم يستثمر بشكل جيد، خاصة مع بوادر ومؤشرات واضحة لتحولات إقليمية وعالمية قادمة بقوة لتعيد تشكيل وجه العالم مجددا، وبكل تأكيد صورة المنطقة ضمن تعددية قطبية تعيد للعالم شيئاً من توازنه المفقود.