ملحمة غزّة

1
118

غزّة منطقة في فلسطين، من بلد الأنبياء وشعب الجبارين، مهدُ الحضارة، وبوتقةُ الثقافات وملاذ للعاشقين والرائدين والمجددين والحالمين. ثباتك على الحصار أعطى ثماره! حياتك القائمة على الحرمان والمعاناة والظلام والبؤس وعشرات من الحروب والإبادة المعمّمة لم تُثنكِ عن الصمود في وجه الغزاة.

•••

العالم في صمته المريب جعل من الصهاينة وحوشاً تلتهم أجساد صغارها، وتنهش نساؤها، وتقتل رجالها دون عقاب أو تثريب. لماذا تعاملوننا بهذه الطريقة؟ ألسنا كائنات كالآخرين؟

أيها الغرب أو ما تُسمى بالعالم الحرّ المتشدق بحقوق الإنسان سؤال مطروح عليكم ومُريب، فهل من مُجيب. لماذا جاء تسارع التاريخ بأحداثه العِظام التي طالما سبق وأن تحدّث عنه مفكروكم عن الحرية وحقوق الإنسان معاكساً لأبسط ما تقومون به الآن من دفاع عن الصهيونية والنازيين الجدد في كل مكان؟

•••

لكن التوصيف الصحيح لهكذا مواقف هو إنعدام الحساسية الأخلاقية ذات الجذر المكيافلي، الغاية تبرّر الوسيلة، تتجلى بكل وضوح في وحشية واستبدادية دولكم التي تسمي نفسها العالم الحرّ المتستر بشعارات الديموقراطية والحرية والمساواة وحقوق الإنسان. كُل شيء إذن كان يسير بالمقلوب، والمشهد أصبح واضحاً كل الوضوح، ولم تعد تنطلي على الشعوب ما تروجونه من شعارات وأرجيف وأكاذيب.  

•••

القتل والدمار بدم بارد، جيش مدجج بأعتى الأسلحة الفتاكة، ما يحدث في غزة ألا يحرك فيكم ضمير ويصيبكم بالذهول؟. قلوب متحجرة وإنسانية مفقودة متدهورة.

•••

أجسادً مقصوفة وأخرى محروقة، ممددة في كل ركن ومكان. القصف الإسرائيلي ونظرات عمياء للعالم الحرّ، محاجرُ غائرة وحركات حيوانات متوحشة للولايات المتحدة تودّ التهام ما تبقى من أجساد أطفال غزة. التعطش الذي لا يرتوي للدّم يقود إلى التزايد المعقّد للحرب والإبادة.

•••

إنّها تواريخ بني صهيون القديمة المليئة بالملاحقات، والمجازر وعقائد التعصب والقمع والطرد الجماعيّ المخطط له بعناية. حروب، وحروب إبادة بلاد بكاملها، قنابل ودبابات مباركات من عالم بلا ضمير تُسلم لقادة أيديهم مُلطخة بالدم، طغاة مؤلهين بسور من التوراة وهرطقات بني صهيون.

سلالات تنظيف عرقي أتت من جميع أصقاع المعمورة لتعيث فساداً وتدميراً في أرض فلسطين باسم خليط من الخرافات والأساطير هدفه الإبقاء على اليهود عبيداً لأفكار الصهيونية حول شعب الله المختار وأرض الميعاد أو إسرائيل الكبرى. كلّ حثالات الرّعب والقذارة المتراكمة من مستوطنين أتت إلى أرضك يا قُدس الأقداس ليدنسوها بمقولات طوباوية عن أرض الميعاد كما جاء في سفر التكوين. جنرالات الاحتلال مثلُها مثل الخفّاش، تحتاج أن تتغذّى على الدم البشري، وبخاصة دم الأطفال والأطفال الخُدج على وجه التحديد.

•••

جملة مشهورة لماركس تقول “إن ثقل الأجيال المتوفاة يستمرُّ مثل كابوس في دماغ الأحياء”، فالأحياء فيك أوفياء لدماء الشهداء، فأنت يا غزّة باقية ما بقي طفل يقاوم بحجارة وامرأة تزغرد باستشهاد إبنها ورجل يحمل البندقية ويذود عن أرضه وعرضه ويقاوم. ومع ذلك غريب أمركم يا أطفال فلسطين وغريب بأسكم وشجاعتكم رغم مصائبكم وأوجاعكم، فأنتم صامدون على أرضكم رغم تكالب العالم كله ضدكم. أيُّ شيطان ستهمّهُ دموع طفل أو أم فلسطينية ثُكلى أو عودتكم إلى ما تبقى من خرائب وخراب غزة، لا أحدٍ يبكيك يا أم الشهداء.

•••

هكذا إذن، يجب أن تُكرّس جميع الوسائل لزيادة حدّة المعاناة والبؤس وتعميمها بحيث تدفع الشعب الفلسطيني إلى ترك أرضه وإبعاده بعيداً في أرض الشتات. هذه إذن سلطة الاحتلال الأكثر مكراً وقوّة، أقرب إلى الإنسان الوحش على أخيه الإنسان الأكثر ضعفًا.

•••

المتصهينون العرب، أحدُ ما أدخل فيروساً في نظام تفكيرهم وأغواهم لمساندة الاحتلال بكل ما يملكون من سفالات وتُرهات، هم إذن حثالات هذا التاريخ العربي الذليل، لا ينقصهم حياءاً وهم يرقصون على أشلاء الأطفال ودماء من قتلهم الاحتلال الإسرائيلي بآلاف وآلاف الضحايا الذين سقطوا تحت القصف. العرب المتصهينون لم تكن تنطبع في هُلام مخّهم المتأجج قرارات المؤتمر الصهيوني المنعقد في بازل بسويسرا في العام 1897، واهتمامات مؤسس الصهيونية العالمية ثيودور هرتزل في تجميع التيارات الصهيونية المتفرقة في إطار تنظيمي واحد ولا اطروحات حاييم وايزمان بدمج الصهيونية السياسية بالاستيطان. أعربُ أنتم؟ والله أنا في شكّ، القدس عروس عروبتكم وقُبلة أمتكم. بل، إنكم صيد ثمين للصهيونية والرجعية العربية تباً لكم ولعنة التاريخ عليكم.

•••

اما المناضلون الفلسطينيون، فأنهم ينعمون دائما ً بامتياز الغموض، وعندما تعتقد أنّهم ماتوا ينبعثون نضرين بل وأكثر بأساً وشجاعة وقوة مما كانوا في الزمن الذي اعتقد فيه الصهاينة بأنهم أموات عند ربهم يُرزقون. الفلسطيني يفكر بطريقة أخرى ولم يفقد في أكثر لحظاته قسوة مزاجه الرائق ولا ثقته بالمستقبل، يحمل أمل العودة إلى ذاك الوطن الساكن في الوجدان وحبّ التشبث بالأرض وبالحياة. إنّ قدر الفلسطيني لا يسمح له أن يتدخل بفاعلية في دولاب الحظ، نتيجة لخطيئة الاستعمار البريطاني، فقد كان محكوماً بتلك السياسة التي أتت بهؤلاء الأوغاد الصهاينة إلى بيوتهم مما أدى إلى النكبة في العام 1948 وهي السنة التي طُرد فيها الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه وخسر وطنه.

•••

من يأسف على الأضرار التي لحقت بغزة في هذا العالم المنافق إذا كانت النتيجة هي دمار شعب يقاوم الغزاة؟ . ألم يسحق رابين وشامير وغولدامائير وآخرهم المجرم النتن ياهو الألاف أثناء حكمهم؟، وطالما استمرّ هؤلاء يحكمون إسرائيل ويتحكّمون بالجيوش وآلة الحرب الفتّاكة لا يمكن التحدث عن السلام، بل عن الحروب الدائمة والمستمرة والتطهير العرقي والجرائم القذرة.

هذه إذن هي سنتهم في الحياة، القتل والتشريد واغتصاب أراضي الغير والاستيلاء على مقدرات شعب مغلوب على أمره لا يملك سوى المقاومة، وإن كلفه ذلك الإبادة والتهجير الجماعي والتشريد القسري.

•••

لمريد البرغوثي الشاعر والكاتب الفلسطيني قول مأثور “العربيُّ المحظوظ هو الذي يصحو من نومه ذات صباح، فيجد نفسه مجنوناً وانتهى الأمر”. يا له من جنون، فهل هنالك من جنون أكبر من هذا الجنون، والعرب يتفرجون أمام موت غير عادي في وحشيته؟

•••

آه يا وطني الجميل والخالد،

آه كم ذكراك غالية ومُضنية

آه يا غزّة هل بقي شيء فيك لم يستبيحوه؟

1 تعليق

Comments are closed.