عقيل سوار

0
79

دخل عقيل سوار إلى عالم الصحافة من باب العمل المؤقت ليس إلا، وكثير من الصحفيين الذين انخرطوا في المهنة كانوا على شاكلته، لم تتوفر الصحافة البحرينية في أي يوم من الأيام وطوال تاريخها الممتد على مدى مائة عام على أي عنصر من عناصر الاستدامة أو الإغراء أو الاطمئنان لأي خريج او طالب وظيفة. ظلّت الصحافة أرضاً رجراجة قد تطيح بالواقف عليها في أية لحظة، وفي لقاء صحفي مع عقيل سوار في نهاية الثمانينات ذكر أن الصحافة كانت بالنسبة له ملاذا مؤقتا ليس إلا، إذ انقذته من التسكع ومن البطالة وقتها ولم يدر بخلده انها ستكون لاحقاً قدراً أبدياً.

 وبداية فقد كان الشاب العشريني والموظف الواعد في شركة “طيران الخليج” يستعد  للسفر إلى بريطانيا لتلقي دورة تأهيلية في مجال التموين في مطلع السبعيانت، والتي تزامنت مع حركة تمرد عمال الشركة مطالبين بتحسين شروط عملهم، انحاز عقيل إلى العمال وساندهم ونشر بياناتهم في مجلة “صدى الأسبوع” التي كانت وقتها في أوج ازدهارها، على إثر ذلك خسر عقيل وظيفته فتلقفه الراحل علي سيار، وانضمّ إلى “صدى الأسبوع”، واثناء استعراضه لمسيرته المهنية والمحطات المزعجة فيها سينظر عقيل بشيْ من الندم “نسبياً” إلى ذلك اليوم قياساً بما كان سيكون عليه الحال لو استمرّ في وظيفته في شركة “طيران الخليج”، وواصل تطوّره ونجاحه المهني في مكانٍ أكثر استقراراً وثباتاً، مع ذلك أبلى عقيل سوار بلاءً حسناً في الصحافة، وتنقل في مختلف المطبوعات وكتب في مختلف الموضوعات: “صدى الأسبوع”، “بانوراما”، “أخبار الخليج”، “الأيام” و”الوطن”.

خريج مدرسة علي سيار ظلّ صحفياً جدلياً وإشكالياً “ومشكلجياً” تستقطبه الصحف ثم سرعان ما تضيق ذرعاً بجرأته وسطوة قلمه، اصطدم مراراً مع الرقابة الصحفية في الداخل والرقابة الرسمية في الخارج، كما اصطدم مع التيارات السياسية وهاجمها، اذ رأى أن أداءها السياسي وتحالفها مع التيار الديني لا يخدم الديموقراطية الوليدة بل يضعفها ويقوي الحكومة عليها، أما المعارضة فقد رأت أن توجهات عقيل وكتاباته تنسجم أساساً مع الصحافة ذات التوجه الحكومي والتي تتشدق بمبادئ الديموقراطية والتعددية ولكنها تبطن العداء للاختلاف ولأي صوت معارض.

ورغم كل ما يقال عن تجربة عقيل في الصحافة، واختلاف القرّاء والجمهور حول مواقفه وآراءه، فإنه يظلّ رقماً مهماً على خارطة صحافة البحرين، وأحد أهمّ رواد الجيل الثاني وقد تميّز عمله بالشمولية وتعدد المهارات والثقافة، وإجادة فن التصوير والمسرح والشعر واللغة الإنجليزية والتي استثمرها ووظفها في كاتباته.

إلا أن العنصر المهم في تلك التجربة والتي لا يختلف عليها اثنان، هو أن عقيل يُعدّ أول مبشر باستخدام التكنولوجيا والتقنيات والكمبيوتر في أعمالنا وحياتنا، وانطلاقا من ذلك بدأ عقيل بسلسة طويلة من المقالات المهمة في عدد من المطبوعات وفي موقعه الإلكتروني من أجل تلافي الأمية الكمبيوترية كما أسماها، وكيف “أننا متأخرون جدا فيها لو بدأنا من هذه اللحظة نظراً لسرعة تطورها وتنوع تطبيقاتها”.

يحسب لعقيل أنه ساهم بقوّة في تنمية وعي جمهور القراء تقنياً وتكنولوجياً منذ عمله في مجلة “بانوراما” في مطلع الثمانينات والسعي لترشيد وعي المستهلك حول المنتجات التقنية المتوفرة في الأسواق في ذلك الوقت، ومع بزوغ زمن الإنترنت كان عقيل من أوائل المستخدمين له والمتبحرين فيه والداعين إلى الانخراط فيه قبل فوات الأوان، كونه سيكون عاملاً مهماً في النهضة العملية والمهنية المستقبلية.

وبالطبع لن ينسى القرّاء سلسلسة المقالات المسهبة والطويلة التي انتقد فيها عقيل أداء شركة الاتصالات “بتلكو” المحتكرة لسوق الاتصال في ذلك الوقت قبل فتح سوق الاتصالات لاحقاً، ورأى أن رسومها العالية غير مبررة وضاغطة على جيب المواطن البحريني، وأنها تبتغي الربح أكثر مما تتوجه لتنمية المجتمع تقنياً، وتوسيع خياراته المهنية وتعظيم استفادته من هذا الاختراع المهم.

وعلى موقع عقيل سوار الإلكتروني الذي جرى تدشينه  ضمن فعالية “هواجس عقيل سوار” للاحتفاء  بـ”عقيل مصوراً وصحفياً ومسرحياً” في مركز عبدالرحمن كانو الثقافي مؤخراً، سيجد قرّاء اليوم كيف كان عقيل سابقاً لزمنه، وهو الذي قال في أحد مقالاته “ينتظرنا زمن لن تستطيع فيه رقابات الإعلام السيطرة على فضاء الإنترنت وكل ما ينشر ويبث فيه، وأن على الحكومات أن تستعد لهذا اليوم عبر سنّ التشريعات الجديدة والملائمة لهذا العصر، قبل أن يفاجئها الطوفان القادم “، والمفارقة أن عقيل سوف يصطدم مجدداً بالرقابة  الحكومية الإلكترونية وسيحل ضيفاً متكرراً في مكاتبها كلما نشر أو كتب نصاً لا يتوافق مع توجهاتها. دار الزمن دورة امتدت لخمسين عاماً هي عمر المهنة في حياة عقيل سوار، ولا تزال قوانين الإعلام أشدّ قسوة وتضييقاً مما سبقتها، لقد اكتوى عقيل مما سبق وحذر منه.