لانحسار نفوذ الأحزاب الشيوعية، واليسار عامة، أسباب متعددة من بينها الورطة التاريخية لفشل النموذج الإشتراكي السوفيتي وإقتباساته في أوروبا الشرقية من جانب و انتعاش النموذج الصيني – الفيتنامي المعتمد على اقتصاد السوق من جهة أخرى بالإضافة لتأخرالنموذج الكمبودي – الكوبي وتعثرالكوري الشمالي ودخوله نفق الديكتاتورية الفردية وهذا يملي على الأحزاب الإشتراكية والشيوعية دراسة الأوضاع المستجدة في العالم الحالي حيث ينحاز وعي الشغيلة والجماهير باستعجال لتفضيل اقتصاد السوق الرأسمالي وبأشكاله المتعددة على عكس ما توقعته النظرية الماركسية وناضلت أجيال من الإشتراكين والشيوعين لتحقيقه ولكنه لم يتحقق بل وأفرزت هذه الحقيقة المرة جموع ماتزال واهمة بتحققه.
لقد ضعفت الأحزاب الشيوعية في العالم ولكن شعلة النظرية ما تزال متوقدة وبحاجة إلى النوعية الصحيحة من الوقود لكي تستمر في التوقد وهذا الوقود هو تكييف وتطوير النظرية لتخرج من القالب العقائدي وتتحوّل إلى أداة عصرية لبناء مجتمع عادل متعدد الأحزاب والطبقات يعتمد على الديمقراطية وتداول السلطة .
إن نماذج التجارب الإشتراكية التي أفرزها القرن الماضي كانت نتيجة حتمية للحربين العالميتين وتأثيرهما على الاقتصاد والفكر وحقوق الإنسان بعد دحر الفاشية وكانت ثمرة تحالف أحزاب الطبقة العاملة والقوى اليسارية مع القوى الرأسمالية .
لقد تقاسمت الطبقة العاملة الإنتصار مع أعداء الفاشية الآخرين وحاولت بناء أنظمة إشتراكية في بلدانها معتمدة على المحتوى الكلاسيكي المتاح للنظرية الماركسية، وإذا بالتجربة وبعد عقود من التطبيق تتعثر لتنهار بسبب عدم تطويرمفاهيمها وتكييفها مع عصر التكنولوجيا و(الوفرة) لا على المستوى النظري ولا العملي في الإدارة الإقتصادية وهيكل الحزب والدولة وأسس تبني الديمقراطية ومراحل تطبيقها .
كان فشل إستمرار التجربة مؤثراً على إستمرار الدولة الإشتراكية والدور الطليعي للحزب وإمتدّ هذا الفشل بكل جوانبه إلى العمل بين الجماهير وكسب القواعد الجديدة على مستوى بلدان العالم، (وتستثني بعض التجارب الكلاسيكية المماثلة للسوفيت في بلد مثل النيبال وولاية كيرالله الهندية حيث يحرز الشيوعيون مكاسب جماهيرية وسياسية واضحة).
واليوم يتطلب العمل لاسترجاع القاعدة الجماهيرية وثقة الطبقات الكادحة والمتوسطة تحقيق مهام مستجدة لأحزاب الشغيلة في أوروبا وكل العالم أينما وجدت – تلك المهام الملحة هي الإعتماد على تطوير أسس النظرية وتحديث الهيكلية الإدارية للأحزاب الإشتراكية وتجديد شبابها وتوسيع التحالفات الوقتية وتلك الطويلة الأمد لتشمل قوى تطوير الإنتاج والسوق للتطويرالمراحلي للاقتصاد وكسب ثقة الجماهير والحلفاء لتكريس مكانة الحزب الجماهيرية آخذين في الإعتبارالتفريق بين تجارب الدول والتجمعات الإقتصادية للإبتعاد عن التقديس الإقتصادي والفردي والإداري لكل تجربة والتصرف حسب ظروف المكان والزمان والتقاليد الثورية في كل منطقة .
إن المؤشرات المعاصرة تبين بأن الصدام والإنقسام حالتان متوقعتان بين الأحزاب الإشتراكية والشيوعية في الدول النامية وتلك الأوروبية الأمريكية، إذا بدأ السعي من الطرفين لتطوير النظرية وتوسيع التحالفات السياسية مع قوى السوق الرأسمالي وتهيئة الهيكل الحزبي، أي تأسيس أحزاب إشتراكية من طراز جديد ذات مفاهيم متكيفة مع حالة الوعي السياسي والطبقي الحديثة للجماهير، ويتضح عدم الإتفاق والتوافق بين الطرفين في حل أجندات مثل مسألة اللاجئين من الدول النامية إلى أوروبا والقلق الأخلاقي الناتج عن فرض سياسات قوانين ملفات (قوس قزح)، بالإضافة إلى استمرار استغلال ثروات الدول النامية من قبل الدول الإستعمارية خاصة في افريقيا وأمريكا اللاتينية .
ولا شك أن موافقة الأحزاب الإشتراكية والشيوعية على مثل هذه الأجندات لصالح أحزابها الشقيقة في الدول النامية سيسلبها من تأييد جماهيرها في بلدانها مقابل إنتعاش قواعد الأحزاب اليمينية، وهذه ورطة تاريخية ولاشك ستؤدي إلى الصدامات السياسية وبالتالي صدامات إنتهازية على مستوى النظرية الإفتراضية التي يسعى لإكتشافها لجمع المصالح الطبقية وتبين هذه الاجندات أن الفرز الطبقي وتصادم مصالح القوى المتعارضة المتحالفة وقتيا على سبيل الإفتراض لا بد أن يكون من بين العوامل الأساسية التي ستؤزم الصراع بين أحزاب الطبقة العاملة والأحزاب المتحالفة معها من الطبقات المتوسطة والبرجوازية خالقة حالة تناقض في تحالف المصالح، وهو تناقض سيلعب دوره في فرز الأسس الحديثة لتطوير النظرية .