استكملت الولايات المتحدة هذا الغطاء العسكري بغطاء سياسي أشمل تولاه جميع المسؤولين الأمريكيين ابتداء ً من الرئيس بايدن، ووزير خارجيته بلينكن، اللذين لم يتوقفا طيلة الوقت عن إجراء اتصالات مستمرة سواء بالقادة الإسرائيليين أو بقيادات بعض العواصم العربية. وقد حرص بلينكن خلال جولاته على أن يوضح للقادة العرب والسلطة الفلسطينية أن واشنطن لاتوافق على التهجير القسري للفلسطينيين خارج قطاع غزّة، وأنها طلبت من إسرائيل التقليل إلى أقصى درجة من قتل المدنيين الفلسطينيين وأن تتبع قواعد القانون الدولي بشأن الحروب.
وهذا الموقف الأميركي يتناقض تماما مع أمرين أساسيين، أولهما رفضها أن توقف إسرائيل القتال إلى أن تقضي على حماس وتخرجها من حكم غزُة، وثانيها استمرار واشنطن في إمداد إسرائيل بالقنابل والصواريخ التي تستخدمها في قتل المدنيين الفلسطينيين من ألأطفال والنساء، وفي التدمير المروع للأحياء السكنية، والقتل والتدمير مستمران، رغم تحذير شخصيات أمريكية، وجوزيف بوريل مسئول الشئون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي.
كما تطالب واشنطن بضمان استمرار تدفق المساعدات من أغذية وأدوية ووقود وكافة مستلزمات الحياة الضرورية لسكان غزّة. وهذا المطلب لا يتعدى كونه مجرد كلام لا أثر له على أرض الواقع، ولا يمكن تحقيقه طالما أنه لم يكن هناك مكان آمن في قطاع غزّة كله وفقًا لتصريحات ممثلي المنظمات الدولية العاملين في الإشراف على توصيل وتوزيع المساعدات الإنسانية لغزّة، وطالما أن إسرائيل مستمرة في عمليات القصف الوحشي والهدم والقتل وعرقلة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزّة، فإن كلام واشنطن عن ضمان تدفقها مجرد تغطية على توافقها مع إسرائيل في إستمرار الحرب الوحشية على عزّة.
وعندما فاض الكيل وأصبح من غير المحتمل رؤية مشاهد القتل والتدمير الممنهج الذي تمارسه إسرائيل في غزّة بدعم أمريكي، لجأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لينبه إلى أن ما حدث يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ويطلب من رئيس مجلس الأمن لشهر ديسمبر 2023، عقد جلسة عامة لمجلس الأمن لبحث إصدار قرار لوقف الحرب على غزّة ومعالجة الآثار المروعة الناجمة عنها وإنقاذ الشعب الفلسطيني وتقديم كل المساعدات الممكنة له. وانعقد مجلس الأمن في ديسمبر الماضى وقدّمت دولة الإمارات مشروع قرار يتضمن وقف القتال، ووقف التهجير القسري، وتأمين مساعدات إنسانية كافية لسكان غزّة، فأسفرت نتيجة التصويت عن موافقة 13 عضوًا وامتناع المملكة المتحدة، ولكن الفيتو الأمريكي أبطل القرار في تحدٍ واضح ليس فقط لأعضاء مجلس الأمن ولكل أعضاء الأمم المتحدة الذين تبنوا مشروع القرار، ولمبادرة الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن أيضاً في تحدٍ صريح لوفود وزراء الخارجية المنبثق عن القمة العربية الإسلامية والذي كان حاضرًا في نيويورك قبيل لقائه المقرر مع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في واشنطن وكأنها رسالة واضحة للوفد وللعالم كله أن الولايات المتحدة الأمريكية شريكة مع إسرائيل في الحرب على غزّة بكل ما أحدثته من مآسٍ مروعة وانتهاك للقانون الدولي الإنساني.
يلاحظ أن الموقف الأمريكي من الحرب على غزّة في تعامله مع الدول العربية الضالعة أو المتصلة بالأزمة مباشرة، والقوى الإقليمية التي لها تأثير على حماس والسلطة الفلسطينية، على عدة مستويات، مستوى نظري يتمثل فيما يصدر من تصريحات عن الرئيس الأميركي بايدن، ووزير خارجيته بلينكن، تبدو كما كتب أحد المحللين في جريدة “الشروق” المصرية، من الناحية الشكلية البحتة أنها تحمل في طياتها مؤشرات توحي بحدوث تغيّر نسبي في الموقف الأميركي. ولكن عندما يتعلق الأمر بواقع ما تقوم به الإدارة الأمريكية من دعم عسكري واقتصادي وسياسي وإعلامي للحرب الوحشية على غزّة، يتضح بما لا يدع مجالًا لأي شك أن الولايات المتحدة الأميركية شريك أساسي في هذه الحرب.
يمكن رصد المشاركة الفعلية الأمريكية في حرب إسرائيل الوحشية المدمرة على غزّة في أنه من قبل أن تبدأ إسرائيل هجومها شارك كل من الرئيس بايدن ووزير الدفاع الأميركي أوستين، ووزير الخارجية بلينكن، في إجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغر (مجلس الحرب)، ووافقوا على خطة الحرب الإسرائيلية، وظلّ وزير الدفاع الأمريكي ينسق مع وزير الدفاع الإسرائيلي طوال الحرب، كما انتشرت الأساطيل الأمريكية في البحر المتوسط والخليج العربي مع تهديد أمريكي صريح لكل من يتدخل من الأطراف الإقليمية لمناصرة المقاومة الفلسطينية، وأمدت واشنطن إسرائيل بأنواع لا تتوفر لديها من القنابل ذات التدمير العميق والصواريخ، والمساهمة في رفع كفاءة القبة الحديدية الإسرائيلية، كما قدمت مجموعة من الخبراء العسكريين الأمريكيين في حرب المدن والحرب ضد قوات المقاومة سواء في أفغانستان أو العراق، وبذلك تكون إسرائيل تحت حماية مظلة عسكرية أمريكية شاملة، وإطلاق يدها بلا قيود في حربها الوحشية على غزّة، ووفرت واشنطن مع دول أوروبية غطاءً إعلاميًا يتبنى بتحيّزٍ واضح وجهة النظر الإسرائيلية خاصة في المرحلة الأولى من الحرب على غزّة.
About the author
كاتب بحريني وعضو التقدمي