متى سينتهي مسلسل الهزائم؟

0
9

في غمرة هذا الوضع المُحمّل بالمعاناة والانتكاسات التي يمر بها العالمان العربي والإسلامي من خنوع وهروب وتنصل من المسؤوليات تجاه قضايا الأمة، في مستوى الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الديني الذي اكتفى بخطب جوفاء فارغة المحتوى وغائبة عن ما تعانيه الأمم الإسلامية من ويلات وفقر وهموم وحرمان، خطب لا تعني الإنسان الفقير المنهك المعوز بينما تؤمن لبعض الخطباء رغد الحياة ونعيمها، حيث تنعشهم خطبهم المفروشة (بالإيمان).

 إن ما يعانيه الإنسان العربي مرتبط بمعاناة ما تعيشه الأمم التي تتغذى على ثقافات بعض الخطباء الذين يأمرون الناس بالصبر لضنك العيش، وهذه الظاهرة المزمنة اللصيقة بواقعنا العربي والإسلامي غاية في الخطورة إن استمرت، حيث الإخفاقات المتتالية سياسياً واقتصادياً، ومن ثم تتفاقم الأزمات في الأوضاع الاجتماعية وتتابع أزمة تجرّ أخرى ولا فرج يلوح في الأفق، وهذا يعني أن التخطيط مريض ومعوّج، يزداد اعوجاجا لعدم وضع آلية لحلول ترتق هذا التمزق الذي أوصل مجتمعنا لنقمة اجتماعية عامة.

لم يدرك البعض أن الوعي المجتمعي والثقافي هو الأساس، حيث كلما فهمت الشعوب ووعت ما يدور حولها من مصادر الفساد والمفسدين، وهو الأساس في تدمير بنيتها الاجتماعية، حتى الهزائم التي تتالت على مجتمعاتنا هي التي أوصلتنا لهذا اليوم وهي أيضاً نتاج عدم الوعي الذي يتعمد المُستغلون تكريس هذا الفساد، وبتعرضنا لهذه الهزائم والانتكاسات وابرزها هزيمة حزيران، ولازلنا نتذكر تماماً أنه في حينها ادركنا بأن علينا أن لا نلدغ من الجحر مرتين حتى نتفاجأ بأن العلة في قادتنا الذين أعلنوها صراحة بأنهم ليسوا مع شعوبهم، فتبينت مسببات الهزائم ووضحت الرؤية، حول من وراء تكرار الهزائم المتلاحقة المشؤومة، حيث انهيار وحدة مصر وسوريا، انشقاق البعث إلى جناحين سوري وعراقي، أيلول الأسود، صراع الدينيين مع التقدميين، صراع الطبقة العاملة مع البرجوازية المستغلة لقوة عمل العمال وصراع المعتدلين مع المتطرفين وصراع الرجعية الظلامية مع العلمانية والقائمة تطول والنكبات تتوالى وأصبحنا فريسة للطغاة والمستعمرين بتواطئ مع أبناء جلدتنا بكل أسف.

إن المحن التي عصفت بنا وتذوقنا مرارة الألم للأسف لم تكن درساً للبعض، ولم تكن عبرة للأسف بالغة الخسارة حتى اصطدمنا بحرب لبنان واجتياح القوات الصهيونية بيروت عاصمة الثقافة والجمال وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا وقانا، لتأتينا صدمة أخرى، احتلال عاصمة الرشيد، عاصمة الشعر والثقافة والأدب والفن لتنقضّ الإمبريالية الأمريكية على أعرق متحف لتنهب ما تستطيع حمله وترشق ما تبقى بوابل من النيران أمام مرأى ومسمع العالم والأمم المتحدة بصور موثقة بالصوت والصورة على شاشات التلفزة، كما عانت الأمة العربية والإسلامية من بعض المعارضة مع بعضها البعض والانشقاقات لمجرد اختلاف بسيط، وقد آلمتنا حروب اليمن والجزائر وحالياً حرب النظام السوري على شعبه، حيث تهجير الآلاف الذين عانوا من ويلات الهرب في عرض البحر وفي أصقاع العالم، واليوم الحرب التي أوجعت العالم بأسره، حيث دمرت القوات الصهيونية والبارجات الأمريكية والقوات البريطانية والفرنسية غزّة في حرب ممنهجة وبالقنابل المحرمة دولياً (الفسفورية) وقطعت اوصالها واوصال أبنائها بتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها، والمؤسف وقوف البعض في صفوف هذا العدوان.

 فإلى متى يستمر هذا النهج عند قياداتنا  التي أصبحت تعادي شعوبها بصورة سافرة وبدل أن تقف مع الاحتجاج العالمي، حيث خرجت شعوب العالم عن بكرة أبيها حتى في الدول التي ساندت العدوان بالمال والعتاد بمظاهرات مليونية (بما في ذلك في واشنطن وباريس وبرلين) وباقي عواصم ومدن دول العالم، كما شهدنا مسيرات واعتصامات التضامن الشعبي في البلدان العربية، وبقيت الأنظمة والمؤسسات صامتة عن  العدوان ورفضت الامتثال لرغبة شعوبها بطرد السفراء الصهاينة من عواصم البلدان التي طبعت مع العدو.

 إلى متى هذا الخنوع؟ ومم  الخوف وشعوب العالم قد مرّغت أعتى نظم العالم الإمبريالي في الوحل، ولم يخجلهم حتى وقوف القوى المحبة للسلام والرافضة لهذا العدوان الهمجي في تل أبيب مطالباً بصوت عالٍ (دعوا غزّة تعيش) والعدو يدفع بآبائهم وأبنائهم إلى معركة خاسرة تحت وابل قذائف المقاومة الفلسطينية، إلى متى ستقف هذه الأنظمة العربية والإسلامية وبعض رموز المنابر ممن أخرجوا الآية القرانية الكريمة (وإذا جنحوا للسلم فاجنح لها) عن سياقها الصحيح، فنحن لا نرى سوى القتل الوحشي للأبرياء الذي يمارسه الكيان الصهيوني كل يوم.