بعد مرور أكثر من مئة وعشرة أيام على عدوان الكيان الصهيوني على غزّة الصامدة، ثمة تداعيات باتت تجتاح الإقليم والمنطقة والعالم بأسره، لا يمكن التنبؤ بمآلاتها بعد، علاوة على محاولات دولة الكيان توسعة رقعة الصراع ذاته وتمدده جغرافيا، رغم ما يتسم به هذا الصراع من عوامل انفلات صهيوني همجي في مقابل مؤشرات واضحة لضبط النفس لدى اكثر من طرف ضمن المعادلة الإقليمية القائمة حالياً، على الأقل، وذلك لحسابات جيوسياسية واضحة، ونستطيع أن نتابع ذلك بيسر وسهولة من خلال مساعي حكومة الاحتلال على وجه التحديد لتوسعة دائرة الحرب رغماً عن التحفظات المحسوبة للقوى الإمبريااية الداعمة للكيان والتي لم تعد خافية على أحد.
نتابع بكل وضوح مساعي حكومة الفصل العنصري الصهيونية المتطرفة للبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة كنوعٍ من الهروب للأمام بعيداً عما ينتظرها من محاسبة داخلية معروفة نتائجها مسبقا، بغض النظر عن الرهانات المرتقبة للنتائج النهائية للحرب على غزّة، فعلى الرغم من الممارسات الهمجية لحكومة الاحتلال ودمويتها، حيث يقترب عدد الشهداء الفلسطينيين والمفقودين على ارض غزة إلى 30 ألف، وأكثر من مئة ألف جريح.
إلا أن هناك مؤشرات يصحّ القول إنها باتت تمثل تحوّلاً يمكن البناء عليها من الآن فصاعدا باتجاه امكانية حدوث تحوّلات نوعية حتى بالنسبة لتعزيز التعددية القطبية كخيار عالمي ابتدأ الحديث عنه منذ أكثر من عامين وتحديداً مع بداية الحرب الأوكرانية الروسية، علاوة على استعادة وهج القضية الفلسطينية التي كادت أن تنسى بكل أسف قبل السابع من أكتوبر الماضي، وما صاحب ذلك من تحوّلات إيجابية في المزاج العام العربي والعالمي، حيث تجتاح المسيرات المليونية عواصم ومدن العالم دون توقف، في حين تستمر مفاعيل المقاطعة عالمياً هذه المرة وبزخم كبير لرعاة دولة الكيان ومسانديها، فيما تتصدى دولة جنوب إفريقيا مدعومة ببعض الدول في آسيا واميركا اللاتينية لمحاكمة جرائم الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية كتعبيرٍ واضح عن ما يكتنف الضمير العالمي تجاه مأساة فلسطين وشعبها.
ويعجز الإعلام الصهيوني وداعميه عن مجرد إقناع الرأي العام العالمي بكذبة الدفاع عن النفس التي ابتدعتها حكومة الكيان. في حين يسجل النظام العربي الرسمي بمنظماته البائسة عزلة متزايدة بعيداً عن إرادة الشعوب العربية، ليستمر هذا النظام الرسمي العربي منكفئا مهزوماً وعاجزاً عن مجرد إدانة العدوان أو حتى التضامن علناً مع دولة جنوب إفريقيا الحرة في دعوتها المرفوعة أمام المحكمة الدولية، فيما تجهد إدارة بايدن المتصهينة وبعض حلفاؤها الغربيين بالمال والسلاح المتدفق من أموال دافعي الضرائب، لدعم جريمة الاحتلال الممنهجة دون مراعاة لأبسط التزاماتها الحقوقية والدولية، موظفة إعلامها الرسمي وغير الرسمي النابض بكراهية وعنصرية بغيضة لا يمكن تبريرهما.
وحين يهرب مئات من الصهاينة وأسرهم بعيداً عن أرض ميعادهم المزعومة وتعجز آلة الحرب الصهيونية عن كسر إرادة شعبنا الصامد في غزّة في واحدة من أطول حروب الكيان وأكثرها دمويّة، ليستمر عجز حكومة الاحتلال عن مجرد تبرير أو اقناع شارعها الخائف والمنقسم، واقتصادها المدمر، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر من العدوان، بصورة استدعت بعض المحلليين الصهاينة لتوقع حرب أهلية داخل الكيان إذا ما استمرت الحرب التي وعد “نتينياهو” وزمرته اليمينية المتطرفة بأنها ربما تمتد لعام، في بحثه دون طائل عن بارقة نصر ولو صغير.. حيث يصعب القضاء على المقاومة واستعادة الرهائن لدى المقاومة كما يعدهم كل يوم!
وفيما يتمدد الصراع أحيانا عبر محاولات حكومة الاحتلال توسعة رقعته ليتسنى لها تأمين دخول أو جر اطراف دولية للتغطية على جرائمها أولاً، ولإطالة عمر حكومتها الساقطة ثانياً، لذلك نراها معربدة بصلافة دون وازع من مسؤولية او مساءلة في جبهات جنوب لبنان وسوريا والعراق، كما ينكشف الصراع على مصراعيه على كل الاحتمالات عند باب المندب، مهدداً بكارثة اقتصادية عالمية تكاد تكمل ما ابتدأته جائحة كورونا منذ عامين من دمار وتراجع اقتصادي وقطع لسلاسل الإمداد لم يتعاف العالم من تأثيراتها بعد، حيث تعجز بوارج القوى الإمبريالية العالمية رغم المواجهة غير المتكافئة عن إصلاح ما أفسدته تداعيات الحرب الهمجية على غزّة، حيث أدخلت حكومة الكيان الصهيوني وحلفاؤها الغربيون بقيادة الولايات المتحدة المنطقة في اتون حروب تتوالد كالفطر، ولا نعرف بعد إلى اي اتجاه ستقود منطقتنا والعالم خلال الأسابيع والأشهر القادمة، طالما استمر كل هذا الجنون والانفلات والعبث العنصري ضد شعبنا في فلسطين.
لكن رغم كل ما يدور يبقى الرهان الأبرز حول قدرة شعبنا الفلسطيني على الصمود وقدرتنا كشعوب على الدعم والمساندة واقناع العالم من حولنا بعدالة قضية فلسطين وشعبها وحقه الطبيعي والإنساني والاخلاقي في استعادة أرضهم السليبة وعاصمتها القدس.