فلسطين على “السوشيال ميديا”

0
12

حين كتبت العنوان أعلاه لم أكن أعلم أن هناك موقعاً على منصة “إكس” يحمل الإسم ذاته، وينقل تفاصيل الحرب على غزّة أولا بأول، والأهم من كل ذلك إعادة نشر وتوثيق السردية الفلسطينية التاريخية الصحيحة من وجهة نظر العرب وشعب فلسطين، وكل تلك الحقوق التاريخية الضائعة، وكيف أن هذه القضية لم تبدأ في 7 أكتوبر، بل سبقها 75 عاماً من الظلم والحصار وقضم المزيد من الأراضي والاستيطان اللاشرعي والسلام الزائف والإعلام المخادع. كل هذه المنصات وروّادها الأذكياء والمتمرسون في استخدام هذه التقنيات الحديثة نقلوا للعالم ما سعت إسرائيل ومعها الإعلام الغربي على طمسه ودفنه وإبعاده عن مشهد الصراع بين العرب وإسرائيل.

ما كان لهذه المظاهرات التي تعمّ العالم الغربي، والمؤيدة للحق الفلسطيني والمطالبة بوقف اطلاق النار، أن تكون  بهذا الزخم والقوّة والضخامة والاستمرارية لو اقتصرت تغطية الحرب على نفس وكالات الأنباء الغربية المركزية المعتادة والمحطات العالمية التقليدية التي اتخذت ومنذ إنشاء إسرائيل على انقاض الحق الفلسطيني مواقف منحازة لإسرائيل، ولقد جرى ذلك دوماً وقبل واقعة طوفان الأقصى بزمن بعيد.

واللافت أن نشطاء “السوشيال ميديا” من الشباب العرب وغيرهم قد استقطبوا في زمن قياسي قصير ملايين المؤيدين في كل مكان في العالم عبر صناعة محتوى إلكتروني متنوع ومتعدد ومؤثر ومواكب للأحداث، وبلغات متعددة ما ساعد على إنشاء مزيدٍ من الحسابات المتابعة على منصات “إكس” و”يوتيوب” و”انستجرام توك توك” وغيرها، وكسب ملايين المتابعين.

فلسطين على “السوشيال ميديا” هي شيء آخر لم نعرفه في إعلامنا العربي الورقي الهزيل، الذي ساهمت الحرب على غزّة في تراجعه وانصراف القراء عن متابعته، وهو إعلام خاضع وخائف ومتردد ويميل إلى شيطنة كل محور المقاومة الفلسطينية قبل طوفان الأقصى للأسف، انسجاماً مع المواقف السياسية للأنظمة التي لم تستخدم يوما أي عنصر من عناصر قوّتها لنصرة فلسطين، حتى وإن اقتربت النيران من بلدانها وأراضيها، إرضاء لحلفاء لا يقيمون أي وزن أو اعتبار لا لشعوب المنطقة ولا لأنظمتها.

 على أن طريق “السوشيال ميديا” ليس معبداً بالسهولة والراحة، بل ثمّة جهات عديدة استخباراتية وغيرها تعمل باستمرار لمنع وصول الحقيقة، وإبطاء وتيرة ومفاعيل المنصات الفلسطينية وحصارها وفرض إجراءات قامعة عليها وحذف ما تراه، أو تدعي، أنه مخالف لشروط استخدام هذه المنصات وتوظيف الذكاء الاصطناعي لترصد بعض الاصطلاحات والكلمات والصور وأفلام الفيديو المؤثرة وحذفها تلقائيا، أو الحدّ من وتيرة انتشارها، أو تقليل أعداد متابعيها أو منعها من الوصول إلى أكبر شريحة من المتابعين.

معركة فلسطين على “السوشيال ميديا” كانت حاضرةً وبقوّة في المقاطعة الاقصادية وتتبع الشركات الأمريكية والغربية والإسرائيلية، وكل تلك الداعمة للكيان الصهيوني، مع تقديم البدائل المتاحة لكل منتج أو خدمة جرت مقاطعتها.

خلقت فلسطين على “السوشيال ميديا” محتوى إلكترونياً ذا مضامين مهمة، وذا طابع جامع  ومُوحد حول القضية الفلسطينية، يعري ويفضح فبركات الدعاية الصهيونية وأكاذيبها وإفشال  مخططات الاستخبارات الغربية والعربية الرامية إلى تفتيت العرب وتمزيقهم طائفياً ومذهبياً، وصرفهم عن أم القضايا العربية. يقول أحد نشطاء “السوشيال ميديا” أنّ وحدة 8022 الاستخاراتية التابعة للشاباك والهادفة إلى بث الفرقة والعنصرية بين الشعوب العربية تكاد تكون موجودة ربما وإن بمسميات مختلفة في كل الأوطان العربية.

فلسطين على “السوشيال ميديا” أوجدت مناخاً سياسياً واقتصادياً، سمح بابراز وظهور ونشر الأصوات الغربية والإسرائيلية واليهودية المناوئة لإسرائيل داخلياً وخارجياً، وفضح سياساتها وهمجيتها وخططها المعلنة والمتوارية لمحو القضية الفلسطينة وإبادة شعب غزّة وتهجيرهم وخلق المبررات للاستيلاء على مزيدٍ من الأراضي العربية بزعم حماية إسرائيل.

هكذا ساهم الإعلام البديل في الانتصار لفلسطين، ودحض الروايات والسرديات الصهيونية المختلفة قيل وبعد معركة الطوفان.