على غرار رواية همنغواي “الشيخ والبحر” وبطلها الصياد سانتياغو، أستحضر سيرة شيخ المسرح التجريبي في البحرين الأستاذ والمعلم عبدالله السعداوي. لا أعلم تحديداً لماذا ارتبطت هذه الرواية تحديداً مع السعداوي في ذهني، وقد تكون صورة لهمنغواي نفسه على غلاف إحدى طبعات الرواية، للتشابه النسبي في اللحية الكثّة للرجلين. ربما!.
لست مؤهلاً للحديث عن ذكريات وحكايات جمعتني بالرجل، فمعرفتي الحقيقية به لا تتعدى السنوات، ولكن إحقاقاً للحق، كانت كل جلسة مع السعداوي تعتبر درساً متعدد الإتجاهات. مجموعة من الدروس في كلمات وتوجيهات قليلة مقتضبة، لذلك في حضرته يجب أن تكون مننبهاً منصتاً ملماً ليس فقط بما يدور في المسرح بل لما يدور في مسرح العالم ومسرح الحياة. هكذا كان.
ارتحل السعداوي وحيداً، كما الصياد سانتياغو، سبر أغوار البحار على مركبه المتواضع. ذهب بعيداً وجداً حيث لا أحد سوى السماء والماء على مدّ البصر، غالبته الشمس وحرارتها، وعاندته الرياح، وحاربه الموج، إلا أنه أصرّ على المواصلة. لم يعد أدراجه رغم الأضواء القريبة التي كانت على امتداد بصره في بعض الأحيان وقريباً جداً منها لو حاول الوصول إليها، إلا انه أصرّ على هدفه الأسمى، الذي غادر نحو البحر بسببه.
سنوات من البحر، قاصداً تلك السمكة التي سمع عنها الكثير والتي تحدث عنها الكثير من البحارة وأمهر الصيادين. سنوات الصبر والانتظار أثمرت وحاز على السمكة.. قبض عليها بين يديه، ولكن رحلة العودة للشاطئ كانت هي الأصعب والأبعد، كلما استمر في الإبحار نحو الشاطئ ثقلت السمكة أكثر وجاءت كائنات متطفلة تأكل منها، وهكذا قضمة بعد قضمة حتى باتت عظمة مجردة من اللحم.
المشهد الأخير من حياة السعداوي لم يكتب بعد، والكلمة الأخيرة لم تقل بعد، فما زال مسرح الصواري فاتحاً أبوابه لأبناء وأحفاد السعداوي لتحقيق حلمه ومواصلة إنجازه، وريّ تلك النبتة التي وضع بذرتها في كل شخص منا، لتخضر وتينع، وتثمر سؤالاً عبثياً لا جواب له.