نحو وعي ناضج

0
9

حين نتطور بأفكارنا  وننتقل من صومعة الانغلاق لنتوسع في رحاب الأممية ونتغلغل في أفضاءات روضاتها المستنيرة، نستطيع أن نكرّس الحرية ومفاهيمها، كما نكرّس التوعية ونخرج من شرنقة التسيب واللامبالاة، نستطيع فهم واقعنا بصدقية وواقعية من خلال قراءته بجدية وتمحصٍ راقٍ، وحتى لو أننا نحبو نستطيع وقف هذا التباطىء، لننهض ونمتشق أقلامنا لنبدأ من الحرف الأول لنستمر في مسيرة العطاء. لن نتمكن من اجتياز الطرقات الوعرة إلا إذا تحدينا هذه الوعورة بتدبر وإمكانية وحكمة وحنكة واتخاذ قراءة صائبة تضع حجراً لأساس لبناء صحي قويم وسليم.

في أيام شبابنا قرأنا العديد من الكتب لكن لم نطبق إلا القليل، الأمر الذي جعل تقدّمنا بطيئاً، حيث تقاعسنا وانكفأنا على قراءة الروايات التي كانت حينها تشدّنا، لكنها تركت بصمات رائعة كونها ورايات لكتّاب عظماء، تحاكي الناس البسطاء المهمومين وتمسّ قضاياهم الاجتماعية من أمثال مكسيم غوركي ودوستويفسكي وسلامة موسى وجورج حنا ونيكولاي أوستروفسكي وسومرت موم وتشارلز ديكنز، كما قرأنا المحلات الوطنية ونشراتها السياسية التي أطعمتنا الوعي والتنوير، فاستطعنا أن نتوسع ونتشرّب الحسّ الثقافي الوطني، حيث انتعشت مداركنا المتواضعة، ما دفعنا للاستمرارية في المسيرة النضالية، وذلك بفضل من أخذوا بيدنا نحو ثقافة متميزة رفعت من مستوانا العلمي والعملي، ولن تتمكن فينا الجدية الخلاقة إلا في وقت متأخر للأسف، بهذا نحثّ الأجيال الصاعدة الجديدة أن لا يضيعوا فرصاً أضعناها أخذت منا الكثير من التأخير في صقل مهاراتنا الإبداعية، حيث بإمكاننا أن نعطي الكثير لتنوير أبناء مجتمعنا أكثر من ما أعطيناه.

إن أي استنتاج وأي طرح لأي رؤى بخصوص قضية ما من الضرورة أن يقاس من كل الزوايا والجوانب مع مراعاة كل الظروف الموضوعية والذاتية بكل صدقية، بدون توجهات عاطفية او انحيازية بعيدة كل البعد عن التسييس، والعصبيات والإثنيات، وذلك ليكون الطرح موفقاً وبموضوعية سلسة تسير فيها الأمور بمعطيات تخدم الوطن والمواطن بكل أطيافه وتوجهاته وبموقف واضح الحلول بين القناعة وأصل المفاهيم نابع من مبادئ وطنية. كل هذه تحديات يجب أن نتوقف عندها إذا أردنا عبوراً آمناً لخطوات نضالية صحية تنشد سبر أغوار المسارات النقية التي تحقق آمال البشرية.

اليوم تستوقفنا قضية نكبة شعوب وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني البطل الذي عانا مؤخراً من نكبة لا مثيل لها حتى عند النازية الهتلرية بدعم واسناد من الامبريالية الأمريكية بقيادة آلتها الـCIA . ناسف لهذا الوضع المزري الذي أصبحنا نعاني منه، حيث الانبطاح المتعمد وقلب الموازين وتزوير الحقائق، فأصبحنا في وضع لا يطاق، حيث تكمم فيه الأفواه ويسود النهب السافر، فأصبحت الغلبة هي من تشرع الفساد والمحسوبية وكل ألوان العفونة بصورة سافرة، بلا خجل، فنصطدم بتوجه أو صد باب التعاون والحفاظ على بيضة القيم النبيلة الجامعة.

للأسف هناك من يحاول شيطنة القوى الوطنية وتهميش دورها الريادي في دفاعها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الإنسانية التي تحثّ عليها كل الأمم، فلا يوجد إنسان يبغض الحق، وهذا ما تسعى إليه القوى المحبة للسلام والخير والرفاهية لكل انسان على هذه الأرض. فما الضير لو تعايش كل من يسعى إلى التقدم والازدهار وحب الوطن؟

البعض يطرح تبريرات لا تنسجم مع الوثائق الديمقراطية التي هي عصب التفاهم لوضع أساس يخدم الحلول لنزع فتيل الخلاف والنفور والكراهية والتعصب، وهي أمور منبوذة تناقض آمال الشعوب ولا تهدف إلى استراتيجيات مستقبلية، فلا تغتالوا حلم شعوبكم التي تحلم بالعيش الكريم وتحقيق العدالة.