أهي صورة شعرية بالغة في عالم لا شعري؟
25 عاماً بلياليها الكاحلة
وغشاوتها السوداء القاسية..
لم يرَ فيها ضوء الشمس
إسفلت الشارع
تضاريس الأرض والمباني وشجر الزيتون..
لم يسمع زغاليل الحمام
لم يرتفع بصره نحو جبل
أو يسدل جفنيه لبحر..
أفقٌ أخرس بجدران صماء
لا سماء ولا أخيّلة..
وإن وُجدتْ أحلام هامسة هشمها مصباح الجلاد..
تصوّر لدقيقة واحدة
وجنة قلبه الضاحك ولمعان عينيه المسموع
أصابع قدميه وهي تركض بخفة بعد خروجه من النفق
تخيل لهاث أنفاسه قبيل الهروب..
رفيف أهدابه لعناق الهواء
تصوّر كيف لرجل كان حبيس أقبية التعذيب أن يمسك بالعالم في دقيقة؟
***
عزيزي دنقل
بتنا من القوم الذي لم يجد عيباً في الذهب
ولم يتعب بريقه عيوننا!
نشتري بالكرامة صمتنا
نبيعه في النهار التالي
بشعارات رنانة وقلب منكس
ندفن أشواقنا تحت أقمصتنا
نبكي لتأنيب الضمير
حين بلقننا طفل غزاوي درساً قاسياً تحت الأنقاض
***
ولأني أعرف فوهة الندم..
أصون سقوطي
أخبئ في نهدي قصائد ممزقة
جروح طازجة
ندوب تضرج صوتي
تطفئ بريق عيني وأنام
والفادح أني أستيقظ على المشهد نفسه!
ولأني إمرأة ألفت الخذلان..
تعلمتُ سريعاً
كيف أتنكر لخسائري
كيف أقبض على صرخة جوفي بكلتا يدي
أغرقها في ماء عيني
أبددها بابتسامة غامضة
تنكمش بين وجنتي وجفنيّ
وكلما طفرت دمعة في نبرتي
كتمتها بأغنية شقية
***
منذ سنوات وأنا
أغسلُ أحلامي بدموعي
أشدُ بلَلَها على حبل صوتي
تتعثر في مطلع أغنيةٍ وتشكو الصدأ
***
كل حزنٍ نبتلع دمعه
يتحوّل إلى حشرجة مزمنة
يعذبها الصمت ولا تقوى الكلام
***
نعم.. تخليتُ عن كل شيء
كل شيء
وتمسكتُ بقلبي
ثم خذلني هذا الهش الذي.. راهنت عمراً على صلابته!