المجزرة المروّعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني في شارع الرشيد بقطاع غزّة ليست منفصلة عما سبقها من جرائم ومجازر، ولن تنفصل عما سيليها، طالما استمرّ المجتمع الدولي عاجزاً عن اتخاذ خطوات لردع الكيان الصهيوني، وظلّت الدول النافذة، الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، مستمرون في مدّه بالعدّة والسلاح والدعم الاستخباراتي والتستر على جرائمه، وتعطيل قرارات مجلس الأمن المنددة بالعدوان والداعية لإيقافه، عبر “الفيتو” الأمريكي المتكرر في كل مرّة ينظر فيها المجلس موضوع العدوان على غزّة.
نحو مئة وعشرة شهداء، وفق آخر تحديث متاح، فضلاً عن أكثر من ألف جريح، ذهبوا ضحية المجزرة البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال، باطلاق الرصاص على المدنيين الذاهبين للحصول على مساعدات غذائية وإنسانية، فيما وصف بـ “مجزرة لقمة العيش”، بعد تجويع أكثر من 700 ألف إنسان منذ قرابة 150 يوماً. وحسب المكتب الإعلامي في قطاع غزّة فإن قوات الاحتلال كانت لديها “النية المبيتة لارتكاب هذه المجزرة المروّعة، حيث قامت بعملية إعدام الضحايا بشكل مقصود ومع سبق الإصرار والترصّد في إطار الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، رغم معرفة جيش الاحتلال يأن هؤلاء الضحايا جاءوا للحصول على الغذاء والمساعدات إلا أنه قتلهم بدم بارد”، فيما تؤكد الأمم المتحدة أن القوات الإسرائيلية تمنع “بشكل منهجي” وصول المساعدات إلى سكان غزّة الذين يحتاجونها، مما يعقد مهمة إيصالها إلى منطقة حربية لا تخضع لأي قانون، كما قال المقرر الأممي المعني بالحق في الغذاء إن إسرائيل تقوم بتجويع الفلسطينيين عمداً، مشدداً على أنه “يجب محاسبتها على جرائم الحرب والإبادة الجماعية”.
في الردّ على المجزرة “تمتم” الرئيس الأمريكي بايدن ببضع كلمات لا يفهم منها شيئاً، متهرباً من إدانة ما جرى، فيما قال وزير دفاعه لويد أوستن، قبل يومين، وردّاً على سؤال وجه إليه خلال جلسة استماع في الكونغرس، عن عدد النساء والأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل، أجاب أوستن: “أكثر من 25 ألفاً”، لكنه أضاف أنه تمّ إرسال نحو 21 ألف ذخيرة أمريكية موجهة بدقة إلى إسرائيل منذ بداية حربها على غزة، وهذا ما يقترب من معدّل ذخيرة واحدة عن كل شهيد، وبدل أن يدين تل أبيب على ما تقترفه رددّ كلمات مبهمة معتادة عن أهمية “تقليل” عدد القتلى من المدنيين.
طبيعي أنّ موقفاً مخزياً مثل هذا يشجع الموتور ايتمار بن غفير، أحد أركان الحكومة الفاشية في إسرائيل، على نشر تغريدة على حسابه في منصة “إكس” معلقاً على مجزرة الرشيد: “يجب تقديم الدعم الكامل لمقاتلينا الأبطال العاملين في غزّة، الذين تصرفوا بشكل ممتاز ضد غوغاء الغزيين الذين حاولوا إيذاءهم”.
ولا يختلف الموقف الأوروبي عن الموقف الأمريكي في الكثير من أوجهه، ورغم أن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون قال إنه يعبر عن سخطه إزاء الصور القادمة من غزة، وإدانته التي وصفها ب”الشديدة” لما جرى، وداعياً إلى “الحقيقة والعدالة واحترام القانون الدولي”، لكن السؤال يبقى: ماذا بعد هذه الإدانات اللفظية التي لن تغيّر من سياسة نتنياهو وحكومته في التصميم على مواصلة إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم، وللأسف فإن موقف الدول العربية لا يختلف في جوهره عما قاله ماكرون: “شجب، إدانة شديدة، استنكار”، والكل يعلم أنّ كل ذلك إن لم يقترن بخطوات عملية ملموسة تجبر العدو على إعادة حساباته، فإن شيئاً لن يتغير، وستتواصل أنهار الدماء السيلان في غزّة، وحتى في الضفّة، وسيمضي مخطط تهجير سكّان غزّة من ديارهم، طالما أن العدو موقن بأن كل ما يقال مجرد “جعجعة في طحين”.