مقارنة لا يمكن تفاديها بين موقف دول أجنبيّة، بعيدة عنا جغرافياً، ومواقف دولنا العربية تجاه ما ترتكبه حكومة نتنياهو الصهيونية العنصرية في قطاع غزّة من مجازر وحصار وتجويع، وترينا هذه المقارنة ما بلغناه من هوان وضعف وذلّ فيما يُباد عشرات الآلاف من أشقائنا الفلسطينيين في غزّة وتدّمر بيوتهم ويُهجهرهم من ديارهم، ويًحاصرون ويُجوّعون.
جمهورية جنوب إفريقيا، وليس أي دولة عربية، هي التي تقدّمت إلى محكمة العدل الدولية بدعوى ضد إسرائيل لارتكابها جرائم الإبادة الجماعية في غزّة. صحيح أن محكمة العدل الدولية لم تدعُ إلى وقف فوري للعدوان على غزّة، وما زالت تهمة الإبادة الجماعية لأهالي القطاع قيد النظر من المحكمة، ولكن ما تحقق في جلسة السادس والعشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، إنجاز قانوني لجنوب إفريقيا، وقبل ذلك وبعده للقضية العادلة للشعب الفلسطيني. ونظرة إلى ما خلصت إليه المحكمة من قرارات سنجد أنّ كل قرار منها، يحمل إدانة ضمنيّة للكيان الصهيوني، ويُحمّله المسؤولية عما جرى ويجري في غزّة، وفي كل فلسطين، من جرائم.
قضت المحكمة بأن تتخذ إسرائيل الإجراءات لمنع جميع الأفعال بما فيها القتل والتسبب بالضرر البدني وبالظروف التي تؤثر على الحياة والدمار المادي في غزّة، فضلاً عن قرارت أخرى تتصل بالوضع المعيشي الصعب لسكّان القطاع، ولا يقل أهمية رفض المحكمة لمطالبة ممثلي الكيان أمام المحاكمة برفض دعوى جنوب إفريقيا، حيث أكّدت وجاهتها ، وتوّفر الأدلة على جديّة ما تضمنته من حقائق ومعطيات، مستندة إلى التصريحات التي تنضح عدوانيةً وكراهيةً للفلسطينيين من قبل قادة العدو، وشكّل قبول المحكمة للدعوى وتأكيدها أن النظر فيها واتخاذ الإجراءات المؤقتة للحدّ من ممارسات العدوان في غزّة من صلب اختصاصها، صفعةً قوية لإسرائيل وسادتها في الغرب.
لم تكتف جنوب إفريقيا نفسها، وليس أي دولة عربية بذلك، بل واصلت مسعى الضغط القانوني على إسرائيل، بأن طالبت، لاحقاً، محكمة العدل الدولية أيضأً باتخاذ إجراءات عاجلة أخرى ضد إسرائيل لمنع حدوث مجاعة في قطاع غزّة في ظل الحرب المستمرة منذ أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وفي طلبها الجديد دعت جنوب إفريقيا بطلب عاجل المحكمة الدوليّة لتعزيز الإجراءات التي أمرت بها في قرارتها السابقة، على ضوء الوضع “البالغ الإلحاح” في القطاع، موضحة أن “التهديد بوقوع مجاعة شاملة في قطاع غزّة يتحوّل إلى واقع الآن” ، وسط تأكيد منظمّات حقوقيّة دولية وازنة، بينها منظمة “هيومن رايتس ووتش” على أنّ الحكومة الإسرائيلية لم تلتزم بإجراء واحد على الأقل في الأمر الملزم قانوناً الصادر عن المحكمة الدولية في قضية الإبادة الجماعية، فبعد “مرور شهر، تواصل إسرائيل عرقلة توفير الخدمات الأساسية ودخول وتوزيع الوقود والمساعدات المنقذة للحياة داخل غزّة، وهي بمثابة عقاب جماعي، ترقى إلى مستوى جرائم حرب وتشمل استخدام تجويع المدنيين كسلاحٍ من أسلحة الحرب”.
دولة أخرى بعيدة عنّا في الجغرافيا، قريبة من همّنا الوطني والقومي، هي البرازيل، من قال رئيسها، لولا دا سيلفا، إنّ “ما يحدث مع الشعب الفلسطيني لم يحدث في أي مرحلة أخرى في التاريخ”، مشبهاً جرائم إسرائيل بما فعله هتلر حين قرر أن يقتل اليهود. ولولا نفسه هو الذي وقف وسط تصفيق حار من الحضور بجانب الشاعر البرازيلي أنطونيو مارينيو، ووزيرة الثقافة مارغريت مينيزيس، يرفعون علم فلسطين خلال افتتاح المؤتمر الثقافي الوطني الرابع في العاصمة برازيليا.
من أمريكا اللاتينية أيضاَ، ها هي دولة أخرى، نعني بها تشيلي، تقرر استبعاد الشركات الإسرائيلية من أكبر معرض للطيران في أميركا اللاتينية، الذي سيعقد في سانتياغو خلال شهر أبريل/ نيسان المقبل، وهي الدولة التي سبق لرئيسها اليساري غابرييل بوريتش أن قرر استدعاء سفير بلاده لدى إسرائيل بعد انتهاكاتها للقانون الإنساني الدولي في قطاع غزّة، وهي نفس الخطوة التي قام بها الرئيس الكولومبي جوستابو بيترو، حيث استدعى سفير بلاده لدى إسرائيل للسبب نفسه.
نبقى في أمريكا اللاتينية. وزارة الخارجية في بوليفيا أعلنت أن الحكومة قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، متهمة إياها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في هجماتها على قطاع غزّة.
حكوماتهم، هم، فعلت كل هذا. حكوماتنا، نحن، تكتفي بانتقادات لفظية لا تقدّم ولا تؤخر، فيما علم دولة الاحتلال ما زال يرفرف فوق مباني سفاراته في عدّة عواصم عربية.