على مر الأزمان كانت الرياضة متنفساً للجماهير وفخراً للملوك والسلاطين يلعبها ويتابعها أفراد كل الطبقات. وبتغلغل الرأسمالية في كل حدب وصوب من الحياة برزت قبل قرن من الزمان أولى توجهات المستثمرين إلى تمكين النوادي قانونياً من استثمار لاعبيهم ومنشآتهم الرياضية لدخول السوق الرأسمالية والتنافس على الأجور بعد تحويل اللاعبين إلى مستخدمين في النوادي.
كانت هذه الخطوات واضحة بعد الحرب العالمية الأولى وبدأت بكرة القدم والتنس الأرضي وسباق الخيول في أوروبا وأمريكا وامتدت إلى الملاكمة ولعبة كرة البيسبول والسلة وكرة القدم الأمريكية والجولف وسباقات السيارات والخيول في الولايات المتحدة.
إن النوادي وقد تحولت إلى شركات مساهمة أو قد يملكها أفراد قد دخلت في حلبة صراع الرأسمال بكل أخلاقياته وثقافته الأنانية. لقد تطورت جميع الألعاب بفعل الاستثمارات الرأسمالية وتبع ذلك الارتفاع الخيالي لأجور اللاعبين والطواقم الفنية، بل تحوّلت الملاعب في بعض الأحيان إلى ساحات للصراع الفردي والأنانية وإصابات اللاعبين المتعمدة من خصومهم من أجل الفوز الأناني وقد تأثر بعض الحكّام بجاذبية المال وغشّوا في بعض المباريات وانتشرت فضائح الفساد الإداري كما جرى في دوري الكرة الألماني قبل بضع سنوات.
اللاعب يترك اليوم وبفعل مدخوله الكبير مكانه الطبقي وينتقل من طبقة فقيرة أو متوسطة وبلمح البصر إلى الطبقات العليا، فيصبح مليونيراً ليمنع نفسه بعدها من تأييد النقابات الرياضية والدفاع عما يسيء إلى زملائه اللاعبين. وتتحول النوادي إلى شركات استثمارية وتجذب النجوم الأجانب ليحلوا مكان المحلي المجتهد من أجل تسريع فوز الفريق بالمسابقات المحلية والدولية فيثري من خلال المكافآت وبيع الفانيلات وحقوق الدعاية والإعلان والنقل التلفزيوني وارتفاع أسهمه التجارية وتكون النتيجة خسارة اللاعب والمدرب المحلي أعمالهم فينضمون إلى صفوف العاطلين ويضعف المنتخب الوطني بسبب كثرة اللاعبين الأجانب المتميزين في الدوري.
إن من يفكر بأن الرياضة هي ما تزال روح التعاون واللعب الجماعي والتفكير بالمصير المشترك لا شك بأنه سيصطدم بالكثير من العقبات حتى في تشكيل الفرق الوطنية التي يلعب أفرادها متغربين في النوادي الخارجية ، فقد تحول اللاعبون إلى عبيد للعقود الخارجية وهدفهم وغيرهم من العاملين في هذا المجال هو الإثراء السريع والمشاركة في حفر تلك المناجم التي تدر الذهب عليهم ، فقد دخلت الرأسمالية ومن الصعب أن تخرج و لكن مؤيدو هذا التوجه المادي يدافعون عن هذا النظام الاستثماري في الرياضة ويصفونه بالناجح، فدورة الرأسمال والثراء السريع للمستثمرين واللاعبين والمدربين وسرعة بث الأحداث مباشرة على الهواء هي القياس ونجاح آخر لهذا النظام هو خلق سوق جديدة تستوعب العاطلين والموهوبين والشباب الرياضي فهي سوق تنعش قطاعات المصارف والعقارات والمواصلات والكماليات والدعاية والإعلان والإعلام، وينتقد الرأسماليون المنادين بالمثاليات الأخلاقية والتوجه الاشتراكي والعدالة الاجتماعية ويصفونهم بالعاجزين عن اقتراح النظام البديل .
ومن الواضح أن هذا التوجه قد ساهم في توسيع التجارة بالأفراد وخنق الرياضة فتسللت إلى سوق المنافسة عصابات غسيل الأموال والهاربون من دفع الضرائب والسماسرة الذين يسهلون هروب اللاعبين الفتيان والأطفال طوعياً من بلدانهم الأفريقية أو اللاتينية وبلدان فقيرة أخرى إلى الدوريات الأوروبية والأمريكية بصفقات لا يستطيع وقفها لا الاتحاد الدولي (الفيفا) ولا اللجنة الأولمبية الدولية ولا الاتحاد الأوروبي (اليويفا).