حول تصنيفنا في قائمة أكثر الشعوب سعادة

0
7

عن أصحاب السعادة وأهل البؤس


عن السعادة نتحدث .. هناك من قال إن للسعادة معنىً مراوغاً لا يمكن الإمساك به .. ! وهناك من قال إن البحث عن السعادة أحد مصادر عدم الشعور بالسعادة. وهناك من قال إن السعادة والتفاؤل أمور موروثة وعليه لا ذنب إذن على التعساء والمتشائمين، فقد ولدوا هكذا ..!، وهناك من قال إنه من الوهم الاعتقاد أننا سعداء، وأنّ السعادة الحقيقية هى ذلك الشعور بالأمن والحرية والكرامة وحقوق الانسان والمساواة وتكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية، ولا تشعرنا لا بالبؤس، ولا بأوضاع مقلوبة او حياة معاقة. السعادة لا يمكن قياسها بالمهرجانات أو الشعارات ومبالغات الكلام، وكل أشكال ومحاولات تجميل الواقع، وكما قال نجيب محفوظ “لا سعادة بلا كرامة .. هى حقّ من حقوق الإنسان التى لاجدال فيها”!

ليس من المفاجئ وجود الكثير مما قيل ويمكن قوله فى موضوع السعادة، وأصحابها وبواعثها، كما يمكن إثارة كمٍّ من الأسئلة والتساؤلات حول ما إذا كان الناس فى مجتمعاتنا سعداء حقاً وفعلاً، رغم الظروف الصعبة والمنغصات التى تحيط بهم من كل جانب، واتساع مساحات ما يبعث على البؤس فى النفوس، وازدياد أعداد البائسين الذين يجدون من يحرص على عدم إشغالهم بما يحقق لهم السعادة ولا همّ لهم إلا تحقيق السعادة نيابةً عنهم، والأسوأ والأخطر حين نجد أنّ هناك من يأخذ بدل أتعاب من حساب سعادة الشعوب ومن حساب الأوطان، ألا يجعل ذلك الحديث عن السعادة فى مثل هذه الأوضاع أمراً مستفزاً بكل معنى الكل.

 نتحدث عن السعادة على وقع المفاجأة المدهشة التى وجدت كثيراً من الناس وهم يطرحون جملة من التساؤلات المثيرة حول دقتها وصحتها، والمتمثلة فى تصنيف شعب البحرين فى قائمة اكثر شعوب العالم فى السعادة على المستويين العربي والعالمى، فى الوقت الذى نلمس ونشاهد ونتابع على وسائل التواصل الاجتماعي وما يثار فى المجالس الشعبية وأحياناً فى الصحافة المحلية ما يناقض تلك الخلاصة، لا نلمس سوى اتساع مساحة النكد والشكوى والتذمر من أوضاعنا على كل الصعد.

من الثابت والمؤكد ودون عناء فى التحليل أننا نحتاج إلى السعادة بكل تجلياتها، نحتاج إلى ذلك بإلحاح ومنذ زمن، وانتظرنا ولازلنا ننتظر ما يمهد لها وينقلها من حال التعطيل إلى استئناف حركتها الطبيعية لدينا فى مختلف الحقول وعلى كل الصعد والمستويات بعيداً عن الشعارات الفارغة من أي مضمون، وهذا ملف يجب أن نوليه الجديّة الكافية التى نحن بحاجة إليها من سائر الوجوه لبلوغ ما يرسي القواعد الأساسية التى تقوم عليها السعادة ويجعل مسبباتها حقائق ووقائع تتراكم فى واقعنا، وتجعلنا نعتني بحفظها بعناية دائمة بعيداً عن كل ما يحشرنا فى ما يناقض مفهوم السعادة ويثير أي قدر من القلق فى نفوسنا، كي لا يصبح الأمر مضحكاً حتى البكاء ومريراً حتى الضحك.

نتحدث عن السعادة بمناسبة ما خرج به مؤشر السعادة العالمى الذى جعل شعب البحرين فى مقدمة أسعد شعوب العالم عربياً وعالمياً، وهو المؤشر الذى اطلق فى اليوم العالمى للسعادة الذى يصادف 20 مارس من كل عام ويتزامن معه الإعلان عن نتائج ذلك المؤشر، المناسبة المذكورة تهدف إلى الاحتفال بالسعادة فى جميع أنحاء العالم وإلهام الناس بما ينشر الإيجابية سواء كانت كبيرة او صغيرة، وتشجيع كل أمة على إعطاء الأولوية لإسعاد مواطنيها.

 البحرين حلّت فى المرتبة الثالثة عربياً و62 عالمياً فى ترتيب الدول الأكثر سعادة على ذمّة مؤشر السعادة العالمى، وهو المؤشر الذى شمل 143 دولة وأطلق فى اليوم العالمى للسعادة، ذلك جعلنا نسأل أنفسنا: هل نحن حقاً بتلك الدرجة المتقدمة من السعادة ؟، وطرحنا السؤال بصيغة اخرى: هل ثمّة من يشرح لنا “سر الخلطة” التى جعلتنا من ضمن أسعد شعوب الأرض؟، وهو سؤال تفادياً لأي “التباسات” أو تأويلات “مغرضة”، وأترك لكم الإجابة عليه !

مناسبة هذا العام جاءت فى وقت يشهد فيه العالم معاناة متعددة الأوجه تتعاظم فى ظل ما نشهده من عدوان همجي على الشعب الفلسطيني فى غزّة جعل أهلها يواجهون شتى صنوف القتل والإبادة والتهجير والانحدار الأعنف نحو كل ما يعادي الإنسانية بأبشع الأنواع والألوان والمستويات مما أوصلنا إلى نقطة مفصلية، وهى سقوط كل المقاييس الأخلاقية والإنسانية وحلول فوضى رهيبة دفنت تحت أنقاضها كل معانى السعادة والشعور بها حتى وان كان شكلياً ليس فى أوساط الشعب الفلسطيني فحسب، فى أوساط كل الشعوب الحية التى أدانت واستنكرت وتظاهرت ورفضت كل تلك الوحشية التى يمارسها الكيان المحتل ضد الشعب الفلسطينى .

وللتسهيل على من يحاول الإجابة أقول إن الأمم المتحدة فى تعريف لها وجدت أن مفهوم السعادة يرتبط أولاً واخيراً بمدى رضا الشخص عن حياته .. وتقريرها عن السعادة استند على ما حققته الدول فى ستة مؤشرات هى: الدخل، الصحة، التمتع بحرية اتخاذ قرارات أساسية فى شؤون الحياة، الوضع المجتمعي، ووجود من يمكن الاعتماد عليهم عند الملمات، كما ارتكز على استطلاعات رأي نضع جانباً الدقة او الصدقية المنسوبة اليها والتى يمكن أن يطلق العنان لأوسع نقاش حولها، وعليه فإن المفهوم العام للسعادة هو “مدى رضا الشخص عن حياته” من خلال أطر السياسات العامة للدول فى مجالات التنمية المستدامة، والرفاهية المادية والاجتماعية، والقضاء على الفقر، وسلامة الفرد والبيئة، والناتج المحلي الإجمالي للفرد، والدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر المتوقع الصحي، والحرية فى اتخاذ قرارات الحياة الخاصة للمواطن، وتصورات حول مستويات الفساد، والمساواة القانونية لجميع قطاعات المجتمع، والقضاء على كل أشكال الاضطهاد، والتعليم المجاني، وتحقيق معادلة فرص الرفاه الاقتصادى لجميع المواطنين وعدم وجود ما يكدر صفو حياتهم، وبالإضافة إلى ذلك لا ننسى أن حيوية المجتمع المدنى جاءت من ضمن الركائز فى مسببات السعادة، وأعتقد أننا جميعاً أدرى بحال هذا المجتمع، وبمؤسسات هذا المجتمع.

وللعلم فإن مناسبة اليوم العالمى للسعادة جاءت بمبادرة من بلد هو الأول فى العالم الذى يعتمد مؤشر السعادة الوطنية ويعترف بسيادة هذه السعادة على الدخل القومي منذ اوائل السبعينات، وأن شعبها المكوّن من 750 الف موطن اعتبر من أسعد الشعوب، والأسباب – وعلينا المقارنة – السياسات الحكومية المبتكرة التى تعتمد على قياس مكونات السعادة المنشودة، من خلال الحكم الرشيد، ومستوى الصحة البدنية والنفسية، والتعليم، وحيوية المجتمع، وحماية الأرض والمحميات الطبيعية، بما يخدم هدف التنمية المستدامة التى لا ترتبط فقط بالمؤشرات الاقتصادية، ويضاف إلى ذلك فلسفتها الشعبية القائمة على التفكير فى الموت، وهى الفلسفة التى قالت عنها ليندا كينغ مؤلفة كتاب “دليل ميداني للوصول إلى السعادة”  “إن هذه الفلسفة لا تجعلها مكتئبة، وتدفع إلى اغتنام كل فرصة تحقق الرضا عن الذات والعنفوان ومن ثم السعادة”، هذا هو حال مملكة “بوتان” التى تقع فى الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا.

يا ترى طالما قد صُنفنا فى صدارة أسعد شعوب العالم فان السؤال هل نمتلك شيئاً بسيطاً من تلك المقومات التى جعلت شعب بوتان يمتلك ذلك القدر من السعادة، أو فنلندا التى صنفت باستمرار فى تقارير السعادة العالمية على أنها أسعد دولة فى العالم، هل نمتلك شيئاً من تلك الأسس التى جعلتنا فى صدارة الشعوب أو حتى من ضمن الدول الأكثر سعادة؟

يمكننا أن نضيف إلى ذلك ونربط هذا بذاك، ونثير تساؤلات حول دقّة ما تخرج بها الكثير من المؤشرات والتقارير والاستبيانات، ونتوقف تحديداً عند تلك الخلاصة حين بُشرنا بأن شعب البحرين هو من أقل الشعوب عرضة للاضطرابات النفسية والعقلية، أليس ذلك ما خرج به مؤتمر عقد فى البحرين عن بعد فى نوفمبر 2021 تحت عنوان “الصحة النفسية خلال وما بعد جائحة كوفيد – 19″، ولعل ربط ذلك بما جاء به مؤشر السعادة، وبأننا من أقلّ الشعب شعوراً بالحزن والتوتر، فإن ذلك يعنى أننا غارقون حقاً وفعلاً فى الإنبساط والانشراح والسعادة بامتياز، ونعيش مشاعر إيجابية دائمة وبمنأى عن ما ينغص علينا حياتنا، وبعيدين عن كل بواعث الحزن والتوتر، وإننا بشكل ثابت وملموس من أسعد شعوب العالم فى كل شيْ، وأقلهم توتراً، وأقلّهم عرضة للاضطرابات، ومن يقول غير ذلك فهو حاقد ومغرض وصاحب أهداف مريبة.

 يمكننا أن نضيف كذاك وفى نفس السياق بقائمة نشرت قبل سنوات قليلة حول أكثر شعوب العالم شعوراً بالحزن والتوتر بمشاركة 175 الف مشارك من 145 دولة، ومن ضمن خلاصات هذه القائمة أنّ 3 دول عربية جاءت فى صدارة أكثر 10 شعوب شعوراً بالتوتر والحزن على الصعيد العالمى ولم يأت لامن قريب ولا من بعيد على ذكر البحرينيين مما قد يعنى أن البحرينيين يخلون من أية مشاعر سلبية، لا نقلق، ولا نتوتر، ولا نتألم نفسياً، ولا نعانى الفقر، ولا الفساد، ولا البطالة، ولا أوضاع معيشية صعبة، ونعيش و”لله الحمد والمنّة” مشاعر ايجابية دائمة وان كل ما نعايشه مثير لقدر كبير من الفرح والسعادة وعدم التوتر والاضطرابات النفسية.

هل يمكن ان نصدق ونعتمد ونثق فى مثل تلك المؤشرات والكثير من الاستطلاعات والاستبيانات حول الكثير من الشؤون والتى نجد مخرجاتها أبعد ما تكون عن واقع الحال، ليس أمامنا إلا ان نقول: أعان الله الشعوب التى لا تعرف إلا المعاناة مما ينكّد عيشها من بؤس وشقاء وتوتر وقلق، وفرّج عنهم وأبعدهم عنهم كل المشاعر السلبية والأمراض النفسية، كما نقول بالنسبة إلى من يبشروننا دوماً بأننا فى صدارة أسعد شعوب الأرض، وبأن أحوال المواطن بأفضل ما يكون، لهؤلاء ولأصحاب الشعارات والعناوين البراقة، نقول: هاتوا برهانكم على أننا حقاً وفعلاً من أسعد شعوب العالم، وبأن وضع المواطن ودون مراوغة بأفضل ما يكون وبأنه حقاً وفعلاً فى قمة الاهتمامات.