من كان يتابع صفحة الفنان كوكب حمزة في هذا الفضاء الأسود، سيعرف مدى جرحه ونزيفه اليومي، لما حدث لعراقه ووطنه العربي الجريح، سيعرف من خانه، وليس آخرهم صديق عمره وبصرته، كوكب كان ينزف في غربته، في غرفته الصغيرة في آخر العالم، وهو الذي قال، ما أصعب أن تعيش في منفى ويمكن أن تغادره كقطة تتعفن في مكانها دون أن يعرف عنك حتى جارك، إلا من خلال رائحة الموت.
وفي أغنيته “وينك ليش”، كان يسأل عن وطنه: “وينك يا وطن ..وينك يا وطن/ يبقى العمر مذبوح
درنا الدنيا كلها وين بعد نروح”. أغنية جريحة كحنجرته، مُبكية هي الأغنية وجارحة، وصوت المناجاة هنا يصعد عالياً، كما هو الحال في مجمل أغانيه، كأغنية “نحبكم والله نحبكم”، و”الكنطرة بعيدة”، وغيرها من الأغاني التي اختار نصوصها بدمع ِتشبه دمعة قلبه.
كوكب حمزة حالة متندرة في اللحن منذ أن سمعناه في أغنيته الأكثر شهرة “ياطيور الطايرة”، التي عرفتنا أيضاً بمطرب عراقي إسمه سعدون جابر، حلقت هذه الأغنية على رؤوسنا وحلقت في السماء العربية، واعتبرت حينها مايشبه البيان السياسي لمرض العقول السياسية، الطيور كانت تسأل عن ناسها المغتربين في أوطانهم، تسأل عن أحوال الناس المقهورين، المسجونين، وبين السماء والشمس كانت هي الحكاية، أغنية تنحاز لهواء الناس المصادر، هكذا هو كوكب حمزة يبحث عن الناس في كل أغنياته، فمن يقترب منه، تجد ثيمات السؤال الوجودي/ الغياب/ المرثية /الهواء/ البساتين/ البنفسج /الطيور/الماء ألخ، ثيمات التصقت به وبوجوده، فهو يلحن ليخرج الكلمات، ليوصلها إلى الناس، الناس هاجسه الأول، أغنيات خلدت مكانها، لحناً وكلمات، فتحت شرايين عيوننا بدمعها الحارق، كتبت لنفسها أن تعيش غربتها، وهي جريحة الماء العذب جداً.
نسمع أغنيات كوكب حمزة بصوته الشجي المذبوح بالغربة، غربة وطن يحمل ثراء طينته ونخيله، يخرج صوته كنهري دجلة والفرات لعذوبته وحنينه وقهوه وحزنه وجرحه الكبير الذي يفيض عن وجهه، صوت تستسلم له الأذن، يأسرك بدندنة عوده المعتق بماء الزمن والجرح، كوكب يسبق ظله، وكأن أمه كانت تتنبأ ليكون كوكب العراق الجريح، نفض حزنه، وحزن العراق الغريق بالدمع، ونفض حزن الأمهات والصبايا وكل عراقي مغترب في ما قدمه من أغنيات مذ خطواته الأولى وهو يلامس الحلم في أن يكون، فكان كوكباً مضيئاً للأغنية العراقية.