تمهيد
ليس خافياً على أحد التراجع الكبير في الدور النضالي للحركة العمالية، التي كانت في طليعة النضال المطلبي والوطني منذ ما يقارب القرن، منذ انتفاضة الغواصين في عشرينيات القرن الماضي وما تلاها من تحركات وإضرابات في الثلاثينيات والخمسينيات، ودور العمال الطليعي إبان انتفاضتي مارس 1965 و 1972 و الحراك العمالي المطلبي إبان فترة المجلس الوطني وما تمخض عنه من تشكيل النقابات التالية:
- نقابة العاملين في شركة المنيوم البحرين “ألبا”
- نقابة العاملين في وزارة الصحة
- نقابة العاملين في إدارة الكهرباء
- نقابة العاملين في قطاع البناء والإنشاء
إضافة إلى العديد من اللجان العمالية في العديد من الشركات والقطاعات ومواقع العمل خلال ربيع 1974، ورغم ما أصابها بعد حلّ المجلس الوطني وما تعرضت له كوادرها من حملات قمع وتنكيل، حافظت القيادات العمالية على الاستمرار في عطائها ونضالاتها بأشكال عديدة متنوعة، فتجربة لجنة التنسيق بين النقابات واللجان العمالية في البحرين داخلياً وخارجياً، واللجنة العامة المشتركة طوال فترة قانون أمن الدولة تُظهر الكثير من التضحيات بنضالات مريرة، ليلي ذلك المفصل التاريخي في 2002 بما صدر عن جلالة الملك من تشريعات تمثلت في:
- قانون النقابات
- عطلة 1 مايو
- تخصيص أسهم للعمّال في الشركات الحكومية
بعد عشرين عاماً من تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في 4 يناير 2004، وخمسين عاماً من تشكيل نقابات 1974، باتت الحركة النقابية والعمالية في البحرين تواجه عدّة تحديات، أهمها التشرذم وضعف البناء النقابي، وهو ما انعكس بشكل جلي على أدائها النقابي، وضعف سياساتها في الحفاظ على حقوق العمّال. فوجود أكثر من نقابة في المؤسسة الواحدة وتعدد الااتحادت شتت الجهود النقابية، كما أن الانشقاقات وتأسيس نقابات عمالية تعمل بصورة منفردة عن اتحادات النقابات، وقيام كل نقابة أو اتحاد بالعمل بشكلٍ مستقل؛ وما طغى على الساحة النقابية من تصاعد الصراع بين النقابيين أدى إلى تراجع دور تلك النقابات الفعلي في حماية واقع العمال والحفاظ على حقوقهم.
ولكي نكون منصفين فإن الخلاف في الحركة العمالية وبين النقابيين ليس بجديد، ولكن الجديد هو طغيان هذا الخلاف على قضايا العمّال الجوهرية، فمنذ الخطوات الأولى لتأسيس الاتحاد طرأت اختلافات ليست بسيطة بل جوهرية، و حول العديد من القضايا، بينها تشكيل اللجنة التحضيرية، الخلافات حول النظام الأساسي، هيكيلية الاتحاد، الا أن هذا الخلاف او الاختلاف بقي في حدود إدارته، بما حافظ على وحدة الحركة النقابية، وفي نفس الوقت كان الجميع متحداً ومشاركاً بفعالية في التصدي للملفات العمالية، ومن الأنشطة العمالية والنقابية التي شهدتها تلك الفترة:
· مسيرة عمال بتلكو في 9 أبريل 2003 مدعومة بقطاعات برلمانية نقابية للاحتجاج على الخطوات التي كان مزمع أن تنفذها إدارة الشركة بتسريح 800 موظف ضمن مشروعها (على أهبة الاستعداد).
- النشاطات التضامنية مع المفصولين في عدة قطاعات ومؤسسات منها عاملات النسيج في 2005 وموظفي عقارات السيف.
- مسيرة يوم الجمعة 7 يناير 2010 التي جمعت آلاف المواطنين تحت شعار “إلا لقمة العيش”.
- المشاركة الفاعلة لممثلي الاتحاد في مجلس إدارة التأمين الاجتماعي.
- مسيرات الأول من مايو.
- مؤتمر الأجور في اكتوبر 2008 .
وغيرها من النشاطات الناجحة التي خاضتها النقابات والاتحاد والطبقة العاملة البحرينية مدعومة بقوى المجتمع المدني في فترة ما قبل انفلاش وحدة الحركة العمالية، الذي جاء نتيجة وواقع النقابات العمالية. ويمكن ردّ الإشكالية التي يعاني منها الحراك العمالي إلى مجموعة أسباب، منها ذاتية وأخرى موضوعية، أثّرت بشكل مباشر على عمل النقابات وأعضائها. وفي الواقع هناك دائمًا تشابك وتداخل بين تلك العوامل، حيث لا يمكن فصلها وتجريدها عن باقي العوامل، وما نحاول أن نفصل فيه هنا غايته فقط تبيان الأسباب كي نصل إلى تحديد أبعاد المشكلة وأسبابها، التي وفق رؤيتي المتواضعة تتمثل في الآتي:
العوامل الذاتية:
أولًا: غياب الديمقراطية في الاتحادات ومعظم النقابات العمالية، حيث تقتصر بنية معظم النقابات تحت قيادة دائرة محدودة تأخذ القرارات دون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا، وترتب على ذلك ضعف الثقة في النقابات، وضعف أداء النقابات في الدفاع عن مصالح العمال. خاصة ونحن نشهد هجمة شرسة على حقوقهم على عدة صعد: فرص العمل، عقود العمل “المؤقتة”، الاجور، والتقاعد وغيرها.
ثانيًا: غياب التواصل مع العمّال على الأرض، والاعتماد على العمل المكتبي، أو ما يسمى الدورات التدريبية مما وسعّ الفجوة مع عموم العمال، وأدى بالتالي إلى عدم اهتمامهم بالانتساب إلى النقابات، فلا الوعي العمالي يدرك أهمية العضوية، ولا النقابات استطاعت جذب اهتمام العمال بخدمات واضحة تقدّمها لهم، مما أدى إلى تهميش الجمعيات العمومية، بحيث تعقد تلك الجمعيات بمن حضر وليس بالنصاب (النصف +1)، أو حتى الثلث، وفي بعض الحالاات تقتصر على المرشحين لمجلس الادارة وعدّة اشخاص ليس إلا.
ثالثًا: يفتقر العمل النقابي إلى قاعدة بيانات ومعلومات إحصائية دقيقة، وغياب الشفافية عن حجم هذه النقابات العددية ومدى فاعليتها وتواصلها مع العمال، بما يشمل اجتماعاتهم سواء الدورية كمجالس إدارات أو جمعيات عمومية وانتخابات، أو الاجتماعات مع الجانب الاداري في الشركات، وهذا يدلل على الفوضى في العمل، والتشرذم، وغياب حسّ المسؤولية أو الرغبة في الاستحواذ الشخصي على المعلومات للنقابيين.
رابعًا: ضعف ثقافة العمل النقابي لدى العمال وقادة الحركة النقابية، فبالرغم من ترديد مطلب الحوار الاجتماعي، ومضي 20 عاماً على تأسيس الاتحاد، يطرح السؤال: أين هى نتائج هذا الحوار وما هى ااتفاقيات العمل الجماعية؟، بل أنه حتى المتفق عليه تمّ التراجع عن الكثير منه، وما وثق ونشر في الجريدة الرسمية ليس سوى القليل. حتى الاتفاق الثلاثي الذي وُقّع بين الاتحاد وحكومة البحرين في ما يخصّ المفصولين لم ينشر للعموم، رغم انه يمسّ كل المفصولين وعموم المواطنين، هذا عدا عن غياب الكثير من المفاهيم النقابية أو تواريها عن الأولويات، مثل قضايا العدالة الاجتماعية. وتتركز معظم أعمال النقابات والاتحادات على حضور المؤتمرات وورش العمل والنشاط الإعلامي، وعلى الجوانب الإدارية والمكتبية، في حين تغيب المشاريع والسياسات الفاعلة لدعم العمال وواقعهم الاقتصادي.
خامساً: على الرغم من مضي 20 عاماً على المؤتمر التأسيسي، فلا زال البناء النقابي للاتحاد غير مكتمل كما ينص على ذلك نظامه الأساسي، “غياب الاتحادات القطاعية”. وعلى غير ما هو متعارف عليه في جميع الهياكل العمالية في العالم فإن تغيّب هذه الاتحادات أدى إلى إدارة الاتحاد بصورة فوقية وبتشابك كل الملفات وتركيزها في إدارة الاتحاد، ما أعاق امكانية الاستفادة مما توفره هذه الاتحادات بحكم مسؤوليتها عنها مثل التدرج في المسؤولية النقابية، المشاركة في المؤتمرات المهنية والقطاعية، وورش العمل المتعلقة بهذا الجانب، لتفاوض في ما يختص بالاجور على مستوى القطاع وغيرها
سادساً : صلاحيات المجلس المركزي بحيث أصبح تابعاً للأمانة العامة، ويدار من قبلها وليس كما هو مفترض أن يكون في مستوى أرفع منها، ويمتلك قوّة مراقبتها ومحاسبتها بحكم امتلاكه لسلطة المؤتمر في غيابه.
العوامل الموضوعية:
أولاً: الوضع السياسي، وما يسمه من ضيق مساحة الحريات العامة، حيث لا يمكن الفصل بين الديموقراطية وإنتعاش عمل مؤسسات المجتمع المدني.
ثانياً: تقييد العمل النقابي في القطاع الحكومي، حيث أن ثلث عدد العاملين في القطاع المنظم ممنوعون من تشكيل نقاباتهم بقرار إداري، وبما يتعارض مع ما نصّ عليه الدستور بتساوي جميع المواطنين أمام القانون، إضافة إلى أن في هذا القطاع أكبر المؤسسات التي تتركز فيها أعداد كبيرة من العاملين مثل وزارتي الصحة والتعليم، واللتان لا تماثلهما أية مؤسسة في القطاع الخاص، لا من حيث عدد العاملين ولا من حيث إمكانية تنظيمهم نقابياً.
ثالثاً: بنية الاقتصاد البحريني والحجم العددي للقوى العاملة فيها بحيث يغلب عليه كثرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مما يصعب بناء نقابات لما يمثله حجم العضوية من ركيزة اساسية في بناء النقابة وقوتها وديمومتها.
رابعا: طغيان العمالة الأجنبية، خاصة في القطاع الخاص والتحديات التي تعيق تنظيمها نقابياً، وذلك بسبب غياب الوعي، خاصة بين عمّال بعض القطاعات كقطاع البناء والذي يحوز على الأغلبية الساحقة من هذه العمالة ومن خشية العمالة من التخلص منها وفقدانها لعملها مما يشكل تهديداً مستمراً لها.
خامساً: فوضى سوق العمل، خاصة مع القرارات الجديدة مثل التأشيرة المرنة والتأشيرة السياحية، بما توفره لأصحاب الأعمال من عمالة رخيصة وبدون عقود، ويضاف إلى ذلك تنامي العمل غير المنظم بحيث بات ينتشر بين العمالة الوطنية وبتشجيعٍ من الجهات الرسمية كبديلٍ عن عجزها في تأمين فرص عمل لائقة لها.
سادساً: عقود العمل المؤقتة وما ينتج عنها من عدم استقرار العمالة في مكانٍ أو مؤسسة عمل لفترة طويلة ويُصعّب، بالتالي، من تنظيم العمالة في النقابات هذا عدا تطوير وعيها النقابي والحقوقي مما ينعكس على ضعف الكادر النقابي فيها.