استقرار الإقليم

0
226

في العقود الماضية شهدت منطقة الخليج ومحيطها الجغرافي تحديّات أمنية خطيرة، حيث كانت مسرحاً لحروب مختلفة، متفاوتة الآماد، وبعضها استمرّ سنوات، ولم تكن بلدان المنطقة بعيدة عن المخاطر التي حملها صعود مشروع “داعش” وسواه من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، قبل محاصرته، كما أنّ المنطقة شديدة التأثر بما يجري في المنطقة العربية عامة، وفي مقدّمة ذلك انعكاس الصراع مع العدوّ الصهيوني المُحتل للأراضي الفلسطينية وغيرها من أراضٍ عربية أخرى، حيث لا يمكن فصل أمن منطقتنا عن منظومة الأمن العربي عامة.

ولو حصرنا حديثنا في أمن منطقتنا، لتعيّن القول إنّه، في المقام الأول، أمن شعوبها وأمن أجيالها القادمة، وقد خطت دول المنطقة، في آخر عامين أو ثلاثة، خطوات في الاتجاه الصحيح باحتواء بعض الخلافات الخليجية الداخلية، وكان لهذه الخطوات أكبر الأثر الإيجابي في نفوس أبناء المنطقة، لأنّها عززت الشعور القوي المتوارث لديها بوحدة شعوبنا وترابطها، عائليأً ومجتمعياً وتاريخياً، وترابط مصالحها وتشابكها، ووحدة أهدافها وتطلعاتها نحو مستقبلٍ أكثر أمناً واستقراراً وازدهاراً.

 ويظلّ أن المنتظر أكبر بكثير من المنجز، لتوجيه الجهود نحو تنمية مستدامة مستقرّة، بعيداً عن التوترات والمواجهات وما تجرّه من مخاطر كبيرة، وهذا يتطلب التوافق على موقفٍ خليجي واحد ومتسق إزاء التحديات المصيرية لدول المنطقة، خاصةً حول المسائل التي تمسّ الجانب الأمني، ونعني به تحديداً سيادة هذه الدول واستقلالها ليس إزاء بعضها البعض فحسب، وإنما بينها مجتمعة وبين الخارج، أكان في صورة قوى إقليمية أو دولية، في ظلّ نظام دولي أكثر موْاتاة من مراحل سابقة، نظراً لبروز وصعود قوى دوليّة وازنة، في مقدّمتها الصين وروسيا، ما يتيح لبلدان منطقتنا بناء علاقات متكافئة مع جميع القوى، والتحرر من عبْ الإملاءات، وحتى الابتزازات، التي اعتادت دول الغرب، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأمريكية ممارستها على دول المنطقة، بحجة حماية أمنها.

ولا بدّ من تأكيد البداهة الواضحة، وهي أننا محكومون بالجغرافيا، التي لا يمكن تغييرها، فلا تستطيع دولة أن تقول لدولة أخرى مجاورة: إنّ جوارك يزعجني وعليك الرحيل من مكانك، وهذا ما ينطبق على العلاقات الخليجية – الإيرانية، وهو ما أكدّ عليه جلالة عاهل البلاد في مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة لموسكو،  حين أشار إلى أنّ ما بيننا وجوارنا، ليست الجغرافيا وحدها، وإنما التاريخ المشترك، بصرف النظر عن قضايا الالتباس الكثيرة في هذا التاريخ البعيد منه والقريب. وبيننا وبين إيران أيضاً مسؤوليات مشتركة، في الحفاظ على أمن منطقتنا، بوجه الأخطار التي تواجهها، وبلورة مفهوم للأمن يستجيب لمصالح شعوبها، ويُحقق للإقليم استقراره.