بتشكيل وتباين الطبقات تتشكل فئة المثقفينً، وتأخذ دورها في المجتمع .. في مواقف متباينة وفقًا لتشكيل وتباين الطبقات وشرائحها الاجتماعية.. والمثقف كما كتب الكاتب والمفكر الراحل إسحاق الشيخ ، يتشكل ضمن تشكل حركة الطبقة (…) ولكنه يستقل عنها.. ويتشكل ضمن فئة غير ثابتة الانتماء .. بين مجمل الطبقات الاجتماعية. فهو في صفة مواقف متذبذبة.. إلى حين (…) ولكنه يتأدلج في ذات الطبقة عندما ينتمي إليها.. ويؤدلجها.. ويصبح في ذات الطبقة وضمن مصالحها.. فالمثقف الذي ينتمي إلى طبقة البرجوازية يتأدلج فيها وبها فكريًا .. ويؤدلج أفكارها وفقًا لمسارات مصالحها وطموحاتها.. وكذلك المثقف الذي ينتمي إلى طبقة العمال والفلاحين.. يتأدلج فيها ويؤدلج افكارها وفقًا لمسارات مصالحها وطموحاتها.
وربما منذ الأربعينات لم يكن المثقف العربي بشكل عام قد حدد بشكل موضوعي وعلمي مواصفات واقع طابعه التاريخي والاجتماعي، وكانت الكتب والنشرات والبيانات العربية، درجت على تصنيف المثقفين كطبقة اجتماعية بجانب طبقات المجتمع دون الأخذ بمراحل التطور الاجتماعي في عهود المشاعية والعبودية والإقطاعية والرأسمالية والاشتراكية، ودور المثقفين كفئة تتذبذب بين هذه الطبقات. حتى الثبات والتأدلج عندها تنسلخ من فئتها وتتأدلج في الطبقة التي انتمت إليها، وتصبح في ذات ومن الذوات الطبقة الاجتماعية، ومعروف أن لينين حدّد المثقفين كونهم فئة لا تحمل ثباتًا تاريخيًا ولها طبيعة متذبذبة بين الطبقات، وقد خرجت من رحم الحركة الاقتصادية للطبقات، إلا أنها انفصلت وتشكلت كفئة في طبيعة ذاتها المتذبذبة بين الطبقات، حتى الرُسوّ إيدلوجيًا في هذه الطبقة أو تلك.. عندها تُصبح في ذاتها ضمن الطبقة.
يقول غرامشي: “إن كل طبقة اجتماعية أساسية عامت في احدى اللحظات التاريخية، ولكنها جاءت من بنية اقتصادية سابقة، عرفت باستمرار زمرًا من المثقفين كانوا موجودين قبلها وكانوا يظهرون فضلًا عن ذلك بمظهر ممثلي استمرارية تاريخية لم يحدث فيها انقطاع حتى بنتيجة أعقد التغيرات وأكثرها جذرية في أشكالها الاجتماعية والسياسية”.
وعلى ضوء تطوّر الحياة وتنوعها وتداخلها وتعقدها اتسمت فئة المثقفين بصفات كثيرة، وإذا عرّفنا مثقف السلطة في مقالات سابقة، فيمكن إطلاق صفات أخرى مثل: المثقف السلفي والمثقف الليبرالي والمثقف المحافظ والمثقف التقليدي والمثقف الظلامي والمثقف المستنير والمثقف العلماني، إلا أن المثقف العضوي الذي يراه غرامشي عن حق، هو المثقف الذي درج مؤخرًا على توصيفه بالمثقف العلماني والمستنير الذي يُفند آراء ومواقف وطروحات المثقفين التقليديين والمحافظين والسلفيين المعادين للحركة التنويرية في المجتمع. ويرى غرامشي: “بأن المثقفين العضويين يشاركون في المجتمع بنشاط.. أي إنهم يناضلون باستمرار لتغيير الآراء، وتوسيع الأسواق، فالمثقفون العضويون هم دائمو التنقل.. دائمو التشكل.. على العكس من المعلمين والكهنة الذين يبدون وكأنهم باقون في أماكنهم يؤدون نوع العلم ذاته عامًا بعد عام “، شأنهم شأن فقهاء التطرف ووعاض السلاطين والتقليديين والمحافظين وزمر الفكر المتشدد الذين يناهضون الآراء والأفكار التنويرية والعلمانية ولا يتورعون بالإفتاء بتكفير أصحابها والتحريض على إقصائهم واستباحة دمائهم.
ينقل لنا د . إدوارد سعيد في كتابه: (صورة المثقف) عن غرامشي قائلا: “ويحاول غرامشي أن يظهر إمكانية تصنيف الذين يؤدون الوظيفة الفكرية في المجتمع إلى نوعين يضم أوّلهما المثقفين التقليديين مثل المعلمين ورجال الدين والإداريين ممن يواصلون أداء العمل نفسه من جيل إلى جيل.. ويشمل ثانيهما المثقفين العضويين الذين اعتبرهم غرامشي مرتبطين على نحو مباشر بطبقات أو مؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح واكتساب المزيد من القوّة وزيادة السيطرة، ولذا يقول غرامشي عن المثقف العضوي: إن منظم الأعمال الرأسمالي يخلق إلى جانبه التقني والصناعي والاختصاصي في الاقتصاد السياسي، مسؤولين لإنشاء ثقافة جديدة أو نظام قانوني جديد إلى ما هنالك”.
وأمام هذا التصنيف الغرامشي الحي، قد نرى أن هناك من خصائص أعمال الرأسمالية تخلق بالضرورة إلى جانب التقني الصناعي والاختصاصي في الاقتصاد السياسي ارتكازات مفاهيم للاقتصاد السياسي، وإنشاء ثقافة جديدة وأنظمة وقوانين جديدة تواكب تطور الحياة، ومتقدمة قياسًا لممارسات الأنظمة الديكتاتورية والقائمة على الجهل والتخلف والعبودية وسحق آدمية النساء والرجال على حد ٍ سواء .
About the author
كاتب بحريني وعضو التقدمي