محمود الذي غادرنا

0
17

مع بدايات توقف هدير الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥، ولد محمود العوضي بكراً لأبوين في قمة الفقر في حي العوضية التاريخي، حيث سكنوا خلف خبّاز أحمد حمزوي في بيت أشبه بعريش مبني من الخشب الذي كان يُستورد من الهند مع المنتجات الأخرى خاصة الأقمشة.. بيت كان عرضةً لحرارة الجو اللاهبة صيفاً وزخات المطر وزمهرير البرد في فصل الشتاء.. بيت عرضة للحريق طوال أيام السنة.. بيت يفتقد إلى كل مقوّمات الحياة العصرية حيث لا كهرباء ولا ماء ولا صرف صحي. عمل والده في سوق المنامة حيث ينقل بضاعة التجار اليومية من السوق الى بيوتهم الحجرية ذات (البوادگير) الكبيرة والغرف الفسيحة.

قضي محمود طفولته مع أبناء فريج العوضية، خاصة عيال محمد علي سدهي وهم أبناء خالته الطيبة أم عبدالواحد، بين سكك وأزقة العوضية الضيقة والمتربة في ظل انعدام كل شيء سوى الفقر والجهل والمرض الذي كان شائعاً آنذاك.

كباقي أقرانه دخل المدارس النظامية، وكان متفوقاً حيث حقق المركز الاول على كل الممارس الابتدائية آنذاك، حيث اتصف بالذكاء والتواضع وكذلك اخوانه عبدالرحيم وشاكر رغم فقرهم، وهذا ما تثبته سجلات المدرسة الشرقية في المنامة.  واختارته شركة نفط البحرين (بابكو) لتكملة دراسته عبر التلمذة المهنية في مدرسة التدريب المهني (ابرانتس) مع خيرة من أبناء هذا الوطن وهم نخبة من بناة هذا الوطن الغالي والجميل.

انخرط مبكراً في عالم السياسة من باب محاربة الاستعمار البريطاني الذي كان جاثماً على كل مقدرات وقرارات البلاد بما يخدمهم وترك الفتات لأبناء الوطن.. خاض تجربة السجن المريرة عدة مرات وما صاحبها من تقلبات..

غادر البحرين عام ١٩٧٤م للدراسة في الاتحاد السوفيتي ولكنه لم يكمل دراسته لأسباب خاصة ليعود للبحرين وينشط في الحياة العامة ويكوّن أسرة صغيرة..

عمل في عدة وظائف منها شركة طيران الخليج وشارك في إضراب مايو 1971 وعمل في مختبرات هاليبرتون، وأخيراً في شركة كانو لفترة طويلة حيث تجاوز سن التقاعد القانوني نتيجة لتفانيه في العمل.

 نشط في فترة ميثاق العمل الوطني وما بعدها حيث كان يتواجد في  مختلف الفعاليات النقابية والثقافية والسياسية ومسيرات الأول من مايو. وفي السنوات الأخيرة بدأت أمراض العصر الحديث في مهاجمة جسمه الهزيل لينتقل إلى رحمة الله.