شهدنا العديد من الدول العربية وهى تزهو بإقامة معارض دولية للكتاب، هذه النوعية من المعارض لها قيمة ثقافية وسياحية واقتصادية، وفرصة لإثراء حركة العلم والمعرفة وتوسيع المدارك الثقافية، وهناك مؤشرات واضحة على تطور ثقافة معارض الكتب وحرص متنامٍ على تعزيز أدوارها وتأثيرها وتنويعها، و قيل ان هذه المعارض بشكل عام مقياس لرقي الدول ..
هذه الدول حرصت على الانتظام فى إقامة هذه النوعية من المعارض ، باستثناء البحرين التى مع الأسف من بين جميع الدول العربية وقعت فى مصيدة تأجيل معرضها الدولي للكتاب فى نسخته 19 الى أجل غير معلوم ، وكأن هناك زهد فى الالتفاف الى هذا المعرض، وهو الذى كان مدرجاً على خارطة معارض الكتب العربية منذ سنوات، ولكن منذ بوادر جائحة كورونا وحتى الان لم نجد إلا تأجيلاً تلو تأجيل، واعلن قبل شهور عن موعد إقامته فى شهر فبراير الماضي، وكانت مفاجأة إعلان تأجيله للمرة الثالثة على التوالي رغم انه الحدث المهم الذى انطلق عام 1978 وواصلت البحرين فى إقامته سنوياً حتى عام 2018.
فى موقعها الإلكتروني وجدنا هيئة الثقافة والآثار وهى تعلن عبر موقعها الاليكتروني عن تأجيل المعرض إلى أجل غير مسمى، وهى التى تؤكد فى موقعها الاليكتروني بأن هذا الحدث يعتبر نقلة نوعية على صعيد النشاط الثقافي، وان المعارض السابقة استطاعت جذب 120 الف عنوان من مختلف دور النشر العربية والدولية وصل عددها إلى ما يقارب 400 دار نشر مما يدعم دور البحرين كمنارة إشعاع حضاري وتنويري فى المنطقة، ويمنح الفرصة لدور النشر والمكتبات البحرينية والمعنيين بالنشر والطباعة فرصة لإبراز طاقاتهم.
نعلم ان النظرة الى صناعة المعارض والمؤتمرات بوجه عام تتقاطع مع جميع القطاعات الاقتصادية، هى تساعد على تشغيل قطاعات مساندة مثل الفنادق ووسائل النقل والمواصلات والاتصالات، والتموين والخدمات والسياحة، كما لها تأثيرات على الوظائف والأعمال والابتكار والاستثمار المحلى، بالإضافة الى الأنشطة الترويجية والتسويقية، وقد قدّر حجم الأثر الاقتصادى لهذه الصناعة على المستوى العالمي بما يقارب تريليوني دولار موزعة على 10 الاف معرض عالمي، فيما تنفق الشركات فى العالم نحو 32 مليار دولار على المشاركة فى هذه المعارض سنوياً، وإضافة إلى ذلك فان صناعة المعارض والمؤتمرات والفعاليات بكل مكوناتها وأنواعها تخلق 3.2 مليون وظيفة حول العالم، وإنفاق الزوار والعارضين فى المعارض سنوياً قدر ب 137 مليار دولار .
صناعة المعارض اعتبرت مؤشراً على الثقة الدولية فيما تمتلكه الدول التى تستضيف هذه المعارض من بنية تحتية قوية وما لديها من طاقات بشرية وتقنيات وما تنعم به من جاهزية ومن أمن واستقرار، وجاء تخصيص الأول من يونيو من كل عام يوماً عالمياً للمعارض فرصة لتسليط الضوء على قوة وتأثير هذه الصناعة على مستوى العالم ، وهناك اتحاد عالمى للمعارض، كما هناك رابطة عالمية لصناعة المعارض وهذه الرابطة عقدت اجتماعاً لها فى البحرين فى يناير الماضي، والبحرين على هامش هذا الاجتماع وقعت اتفاقية شراكة مع الجمعية الدولية لمنظمي المؤتمرات وهناك أيضاً مؤتمر سنوي دولى يعني بصناعة المعارض وتطوراتها والآفاق المستقبلية لها ، ويمكن ان نشير كذلك إلى وجود اتحاد عربي للمعارض والمؤتمرات تحت رعاية جامعة الدول العربية، كل ذلك وغيره دليل على أهمية صناعة المعارض والمؤتمرات.
والبحرين من الدول التى استشرفت أهمية صناعة المعارض والمؤتمرات وادركت أبعادها المستقبلية منذ سنوات وحرصت على حجز مكانة مرموقة على خريطة هذه الصناعة، وجاء انشاء المركز الجديد للمعارض والمؤتمرات الذى اعلن عن حصوله على جائزة أفضل مركز معرض ومؤتمرات جديدة فى العالم لعام 2030 ليعبّر عن اهتمام البحرين بهذه الصناعة وقد اكد على ذلك صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء فى اكثر من مناسبة ، آخرها إثر افتتاحه معرض البحرين للطيران حين قال “إن صناعة المعرض واستقطابها بمختلف قطاعاتها تعد من الأهداف الأساسية التى تتطلع لها مملكة البحرين وتعمل على ايجاد أنشطة موازية وداعمة لهذه الصناعة”، وفى ذات الوقت وجدنا وزير التجارة والصناعة وهو يؤكد دعم البحرين لصناعة وتنظيم المعارض والمؤتمرات والفعاليات المحلية والدولية وتعزيز تنافسية البحرين فى هذا المجال، ولذلك يظل السؤال الملح الذى فرض نفسه مراراً: ماذا عن المعرض الدولي للكتب، أليس هو احد مكونات صناعة المعرض فى بلادنا، هل لازال مصير هذا المعرض مجهولاً، والى متى ..؟
لسنا فى وارد المقارنات بين الدول المجاورة وعلى وجه الخصوص فى شأن معارض الكتب، هذه الدول بعد توقف لفترة من الزمن بسبب الجائحة عاودت من جديد الى تنظيم هذه المعارض، ووفرت للمنظمين والمشاركين فيها كل التسهيلات والحوافز التى سهلت وشجعت على المشاركة،
وهاهي اكثر من دولة فى المنطقة الخليجية والعربية تعلن عن إقامة معارضها الدولية للكتاب، هذه المعارض اصبح أصبحت من الأحداث الثقافية وباتت محط اهتمام أقطاب الصناعات الإبداعية والثقافية والنشر فى العالم، وكان بودنا ان تكون مناسبة اليوم العالمي للكتاب الذى يصادف 23 أبريل من كل عام فرصة للإعلان عن موعد نهائي لمعرض البحرين الدولي للكتاب، كان بودنا ذلك ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه.
يظل السؤال المطروح: متى تعيد البحرين الروح لمعرض البحرين الدولي للكتاب، وهل يُنظر إلى هذا المعرض من منظور رؤيتنا العامة لصناعة المعارضكونه احد الأدوات المنشطة للاقتصاد وجذب الاستثمارات والأعمال كحال بقية المعارض الدولية ؟
لا اعتراض على فترة إضافية من الانتظار لترتيبات جديدة، والتحضير لموعد جديد لمعرض البحرين الدولي للكتاب، وهناك مثل يقول “أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي”، مضطرون للانتظار، ولكن إلى متى ننتظر، هل من أفق لهذا الانتظار، هل من يبشرنا بالموعد الجديد والنهائي لهذا المعرض ويؤكد لنا وعن قناعة ان البحرين لازالت تضع هذا المعرض على أجندة المعارض الدولية التى توليها حقها من الانتباه والاهتمام ..؟!
نتمنى الا يكون انتظارنا كمن ينتظر “غودو” الذى لا يأتي.