نِداء من أجل نِقاش نقدي وديمقراطي
بقلم : Hilla Dayan, Yolande Jansen
ترجمة: غريب عوض
الإتحاد الأوروبي والدول الأوروبية فرادا ليسوا مُتفرجين على ’الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل هم مُتورِطون فيه تاريخياً وحاضراً. إن إستخدام إتهامات مُعادة السامية لإستباق الإنتقادات الموجهة إلى إسرائيل لا يؤدي إلى تآكل المفهوم أخلاقياً وسياسياً فحسب، بل إنهُ يعفي أوروبا أيضاً من مسؤولياتها عن قمع الفلسطينيين.
في شهر مايو/أيار 2023، أصدرنا مقالاً على موقعنا الإلكتروني “المُراجعة الهولندية للكتاب”، حول مسؤولية أوروبا والمؤسسات الأوروبية نحو الوضع في إسرائيل وفلسطين . كان ذلك بعد أشهر قليلة من تولي حكومة نتنياهو Netanyahu الأخيرة السُلطة في يناير 2023. أرَدنا تسليط الضوء على ما هو على المحك في أوروبا، ومُعالجة تعقيد ظاهِرة مُعاداة السامية المُرتبِطة بإنتقاد إسرائيل، وخطر قمع نقاش ديمُقراطي مُهم
وبينما كُنا نتوقع المزيد من التدهور في الوضع في إسرائيل/فلسطين، لم يكُن بوسعنا أن نتخيّل مُستوى التدهور الذي جلبتهُ هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 والتَداعيات المُروِعة التي أعقبتها في غزة وفلسطين . ما يلي هو الترجمة الإنجليزية (العربية) للمقال مع بعض الإضافات، التي تم وضع علامة عليها بين قوسين مُربعين ، بالإضافة إلى كلمة خِتامية حول سياسات مُعاداة السامية في سياق الحرب الحالية في إسرائيل/فلسطين.
Hilla Dayan & Yolande Jansen – فبراير 2024
في وسائل الإعلام والسياسة الأوروبية، غالباً ما يتم تصوير الإتحاد الأوروبي والدول الأوربية الفردية كمُتفرجين على “الصِراع الإسرائيلي الفلسطيني”. ولكن في الواقع، هُم مُتورطون بشكل أساسي في الوضع الإسرائلي/الفلسطيني، تاريخياً وفي الزمن الراهن. إن كيفية فهمنا ومُعارضتنا لمُعادة السامية في أوروبا هو ليس بموضوع مُنفصل. في الوقت الذي تدق فيه مُنظمات مُختلفة ناقوس الخطر بِشأن تزايد مُعاداة السامية في أوروبا، وعندما تم تعيين مُنسق وطني لمُكافحة مُعادة السامية (NCAB) في هولندا، على سبيل المِثال، فمن المُهم النظر في السياق السياسي والتاريخي الأوسع للمناقشة. يجبُ علينا أن نأخذ بعين الأعتبار ليس فقط مُعاداة السامية في أوروبا، سواء التاريخية أو المُعاصِرة، ولكن أيضاً الوضع في إسرائيل/فلسطين وموقف أوروبا فيما يتعلق بهِ.
في السياق الراهن، إن ما نعتبره أو لانعتبره ’مُعاداة للسامية‘ لهُ آثار ليس فقط على وضع اليهود في أوروبا (وفي جميع أنحاء العالم)، ولكن أيضاً على الموقف السياسي فيما يتعلق بدولة إسرائيل. يتم إتهام الأشخاص الذين ينتقدون إسرائيل بإنتظام بِمُعاداة السامية. ونتيجة لذلك، يتعرض الفلسطينيون بشكل خاص، وكذلك المنتقدون الآخرون، للتهميش بل والتجريم . إن التفكير النقدي في استخدام هذا المُصطلح أمرٌ بالغ الأهمية بالنسبة لليهود في أوروبا على وجه التحديد لأن الفهم المُستدام والسليم أخلاقياً، والمشروع سياسياً لِمُعاداة السامية ضروري لحمايتهم.
ومع ذلك، فإن التفكير النقدي ضروري بنفس القدر لمواجهة الخوف من الإسلام المُتطرف والمواقف والمُمارسات المُعادية للفلسطينيين في أوروبا. وهو أمرٌ حيوي أيضاً بسبب حجم ودرجة العُنف ضد الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المُحتلة – التي في أغلبها تم ضمها إلى إسرائيل.
وكأكاديميين مُتخصصون في إسرائيل/فلسطين والأقليات الأوروبية، وكمواطنين هولنديين من خلفيات متفاوتة، نحنُ نشترك في إهتمام شخصي عميق في التاريخ الذي تسبب في هروب اللاجئين اليهود من أوروبا والشرق الأوسط والتوجه إلى ما كان يُعرف بفلسطين ؛ وبعد عام 1948 بدولة إسرائيل. تُشكّل حياة الناس الذين أصبحوا مواطنين في دولة إسرائيل جزءاً من التاريخ القاري والإستعماري لأوروبا. يشترك الأكاديميون في مجالنا في الإهتمام بالمسؤولية التي تتحملها أوروبا تجاه مسار الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، وبالدور الذي لعبتهُ هذهِ الهِجرة في تحقيق التطلعات القومية اليهودية، التاريخية والمُعاصِرة، فضلاً عن العواقب المُترتِبة على فلسطين والشعب الفلسطيني.
تعمل الحكومة الإسرائيلية الحالية على تقليص الحقوق القليلة المُتبقية المضمونة للفلسطينيين في دولة تُعَرّف نفسها بِأنها “الدولة القومية للشعب اليهودي”. فيما يلي، همنا الرئيسي هو التعرف على تاريخ الإمبريالية الأوروبية والإستعمار الإستيطاني الذي أرسى أُسُس هذا الوضع والذي لهُ تداعيات حتى الوقت الحاضر. إن الفلسطينيين، وهُم أسرى هذا التاريخ، يواجهون الآن احتمال وقوع كوارث أعظم من تلك التي عانوا منها في الماضي.
ونُوجّه إهتمامنا أيضاً إلى المُناقشات القائمة في أوروبا والتي تشهد على فهم إشكالي لمعنى مُعاداة السامية. ونرى أن هذا المفهوم يُستخدم في كثير من الأحيان لمنع إنتقاد تصرُفات إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني بشكل إستباقي إن مثل هذا الإستخدام الإنتهازي لمفهوم معاداة السامية لا يمكن إلا أن يلحق الضرر بالنهج المُستدام لمُعاداة السامية. فهو يختزل اليهود إلى موقعهم التاريخي في أوروبا، حيثُ كانوا يتمتعون أحياناً بالحماية والثناء، وفي أحياناً أُخرى يُضطهَدون ، ولكنهم يُعامَلون دائماً على أنهم “آخرون” ويُثيرون الفتنة بين المجموعات السكانية الأُخرى. ومن الطبيعي أن يؤثر هذا أيضاً على الفلسطينيين، والأفراد ذوي الخلفية الإسلامية و/أو العربية ، وغيرهم من مُنتقدي الوضع؛ فأصواتهم لا تُسمع إلا نادراً في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال يتمُ إسكاتِها بوسائل سياسية أو قانونية.
قانون الجنسية
تتضمن حكومة نيتنياهو الإتلافية الحالية مجموعة من اليمين المٌتطرف، الأحزاب والأفراد القوميون المتطرفون. وزير المالية بيزاليل سموتريتش Bezalel Smotrich من الحزب الديني الصهيوني، يُسمى سابقاً (حزب الإتحاد القومي – تكوما Tkuma) هو مؤيد صريح لضم الضفة الغربية لأسباب دينية. كما أنهُ ’يفتخر برهاب المثلية‘ ويعيش في مستوطنة غير قانونية في الأراضي المُحتلة. والشخص الأكثر تطرفاً هو إيتامار بن جفير Itamar Ben-Gvir، وزير الأمن القومي وزعيم حزب السُلطة اليهودية اليميني المُتطرف (عوتسما يهوديت Otzma Jehudit). معروف بِشعارهِ “القرية يجب أن تحترق”، وهو من أتباع الخاهام مير كاهين Rabbi Meir Kahane، الذي كان من دُعاة التطهير العرقي في الضفة الغربية وأُقتيل في عام 1990.
وفي حين قاطعت الأحزاب السياسية الأُخرى حزب كاخ Kach الذي كان يَتزعمهُ كاهين Kahane في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وتم حظرة لاحقاً، فإن شعبية بن جفير Ben-Gvir زادت طوال حياتهِ المهنية. تم حظرة من العمل في الجيش الإسرائيلي بسبب آرائهِ المُتطرِفة، وأُدينَ بالتحريض على الكراهية عام 2007، وهو معروف بتحريضه على أنشطة اليمين المُتطرف. ومثلهُ الأعلى هو الإرهابي باروخ غولدشتاين Baruch Goldstein، الذي قتل 29 فلسطينياً وأصاب 125 في مدينة الخليل عام 1994. [في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلق بن جفير Ben-Gvir حملة لتسليح المُستوطنين وتشكيل ميليشيات أهلية. وآخر طموحات كِلاهما سموتريتش Smotrich و بن جفير Ben-Gvir هو بِناء مُستوطنات يهودية جديدة في قِطاع غزة.]
إن الوضع الذي قد ظهر في إسرائيل مُنذُ الإنتخابات الأخيرة ليس هو فُرصة تطور، وإنما هو نتيجة لعملية طويلة تفاقمت فيها بشكل منهجي أوجهُ عدم المُساواة القانونية والسياسية والإقتصادية والثقافية الهيكلية بين اليهود والفلسطينيين، سواء داخل إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المُحتلة. ’إسرائيل ليست دولة لجميع قاطنيها … ولكنها الدولة القومية للشعب اليهودي، ودولتهم وحدهم‘، هذا ما كتبهُ بنيامين نيتنياهو Benjamin Netanyahu على توتر Twitter في مارس/آذار 2019. وبذلك أكد حقيقة أن دولة إسرائيل تُمارس التمييز على مدى سنوات ضد ملايين الفلسطينيين، سواء كانوا يعيشون في إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المُحتلة (سواء كانوا يحملون الجنسية الإسرائيلية أم لآ).
التمييز ضد الفلسطينيين وإعطاء الأولوية لليهود منصوص عليهِ قانوناً في القانون الأساسي: إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، الذي تم اعتماده في عام 2018. وفي عامي 2021 و 2022، قبل زمنٌ طويل من تولي الحكومة الحالية مهامها، قامت كلٌ من منظمة العفو الدولية A I ومنظمة مُراقبة حقوق الإنسان HRW بنشر تقارير عن الوضع في إسرائيل/فلسطين. ووصفا الوضع من حيثُ “الفصل العُنصري”، “الإضطهاد”، وفقاً للقانون الدولي. كما نشرت مُنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية “Al-Haq” (الدفاع عن حقوق الإنسان)، و “B’Tselem” (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المُحتلة) و Yesh Din”” (متطوعون من أجل حقوق الإنسان)، تقارير مُفصّلة. تقرير الأمم المتحدة الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 الذي أعدتهُ المُقرِرة الخاصة فرانشيسكا ألبانيز Francesca Albanese، تُحدد الأشكال الخطيرة التي تتخذها هذهِ الإنتِهاكات، والقيود الصارِمة المفروضة على حركة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وخارجها؛ وقمع المُشاركة السياسية والمدنية؛ والحرمان من حقوق الإقامة، والوضع الإجتماعي ولم شمل الأُسرة؛ ومُصادرة الأراضي والمُمتلكات الفلسطينية ؛ النقل القسري؛ عمليات القتل غيرالمشروع؛ والإعتقالات والإحتجازات التعسُفية واسعة النطاق، بما في ذلك الأطفال؛ وعرقلة وحرمان المُساعدات الإنسانية والتعاون؛ والحرمان من مُلكية الموارد الطبيعية والوصول إليها؛ عُنف المستوطنين ضد الفلسطينيين؛ والقمع والعُنف للمقاومة الشعبية ضد الإحتلال. تُشكّل هذهِ المُمارسات مُجتَمِعة عِقاباً جماعياً للشعب الفلسطيني.
وأوروبا غيرُ مُبالية بمثل هذهِ التحذيرات، وقد سَمَحَتْ للوضع بمزيد من التدهور. وكتبت الدبلوماسية الهولندية السابقة بربر فان دير فودي Berber van der Woude في صحيفة “المركز الوطني للبحوث” NRC بتاريخ 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أن الاهتمام بتقارير حقوق الإنسان يُعتبر “غير مُناسب” في الدوائر الدبلوماسية. وقالت بربر فان دير فودي التي تم إرسالها إلى الأراضي الفلسطينية في صيف عام 2019 وقدمت استقالتها في أوائل عام 2022 بسبب الإحباط من الوضع، إن هولندا مثل مُعظم الدول الأوروبية الأُخرى والإتحاد الأوروبي، كانت مُتواطئة في الحفاظ على الفصل العُنصري. وقالت أن هذا جعل سياسة حقوق الإنسان الهولندية والإتحاد الأوروبي في سياقات أُخرى تبدو وكأنها معايير مُزدوجة.
مُحادثة رئيس الوزراء الهولندي مارك روته Mark Rutte الهاتفية مع بنيامين نيتنياهو بعد إعادة إنتخاب الأخير إثرَ فوز حزبهِ بالإنتخابات في 11 يناير 2023، حيث أخبر رئيس الوزراء الهولندي، رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن على الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن لا تُقوض حل الدولتين إسرائيل/فلسطين،‘مُتجاهلاً مُعارضة نيتنياهو الصريحة لأي مناقشة لتسوية سياسية، كان ذلك مِثالاً جيداً على مدى إنفصال الموقف الأوروبي عن الواقع. [في سياق الحرب في غزة ، شدد نيتنياهو موقفهِ ، رافضاً مُناقشة “الوضع ما بعد الحرب” حتى مع مجلس الوزراء الحربي الخاص بهِ، في تحداً واضح للضغوط الأمريكية.] وتُؤيد أوروبا بشكل فعّال سياسة ضم الأراضي والإستيطان التي تنتهِجُها حكومة نيتنياهو Netanyahu وتُعطي رُخصة لإرتكاب إنتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
ومع ذلك، فإن الرفض الأوروبي للإعتراف بالوضع لا يمر دون مُعارضة تماماً كما ظهر من خلال إنهاء التعاون من قِبَل رئيس بلدية برشلونة مع المدينة التوأم تل أبيب. [في فبراير/شُباط 2024، أصدرت الولايات المتحدة ، تليها المملكة المتحدة وفرنسا، عقوبات غير مسبوقة ضد عدد قليل من الأفراد “المستوطنين العنيفين.” تم قبول حُكمٌ قضائي صدر مؤخراً في هولندا حجج المُدافعين عن حقوق الإنسان التي تُشيرُ إلى إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ومنع شحن قطع غيار طائرات مُقاتِلة إلى إسرائيل. وهذهِ علامات مُشجِعة على وجود إرادة ناشئة لفرض الإمتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.]