“ترميم الذاكرة” لحسن مدن هو عصارة الذاكرة الحيّة للأحداث التي مرّت بالكاتب طوال سنوات طفولته وبداية ثوريته وفترة الدراسة والانضمام للعمل السياسي .. ثم الغربة والمنفى الطويلين اللذين تعرض لهما، وفي النهاية الحياة الجديدة لما يشبه الاستقرار في حياته حين ينتهي من دراسته ويعيش في منفاه في الشارقة.
إنّ ما يميز أسلوب الكاتب هو وصفه الدقيق والجميل لكل مرحلة أثّرت في حياته سواء كانت فرحاً، حماساً او حزناً. فعندما يجذبك الهادئ المثير مما كتبه في السطور من الأحداث القصيرة المؤثرة تكتشف صفحة بعد أخرى أن الكاتب واحد من المناضلين الذين اختاروا مصالح بلادهم وقدّموها على مصالحهم الخاصة، وتتبين من السرد الهادئ إنّه قال الذي لا يقال وكتب الذي لا يكتب وتحرك في اتجاهات ممنوعة من قبل الأنظمة التي لا تقبل بالحرية.
لقد وصف الكاتب منزل العائلة وجمال القرية وحركة الناس فيها بحرفيّة متقنة لوصفة الزمان والمكان، حرفيّة تقترب من أسلوب غوركي في رواية (الأم)، كما أنه وصف المرحلة التالية من عمله السياسي لوطنه بكل حماس ولكن بهدوء العاقلين الذين لا يريدون الشهرة ومن ثم الضياع بل يريدون الاستمرارية فيتمسكون بالعقلانية والعمل الجماعي وحبّ الاخرين كما في (المصابيح الزرق) لحنا مينه.
إن مرحلة الأحزان في سيرة الكاتب تُذكّرنا بكتابات حنا مينه أيضاً في سيرته (المستنقع) ومن ثم (التيه)، وكلما تاه الكاتب في ظروف الحزن والخبز الجاف والبعد عن الوطن، استيقظ فيه ضمير العاقل الهادئ، وراح يبحث عن حلولٍ يقف فيها على رجله لكي يواصل المسير. أما اللحظات القصيرة الفرحة بحبيبته وأطفاله فتضيف شيئاً من الغبطة لمسيرته ولكنها غبطة ممزوجة بحزن وعطف شديدين في نفس القارئ لما آلت اليه الظروف الصعبة التي مرّ بها وعاشها.
أسلوب الدكتور حسن مدن هو السرد الهادئ الرقيق، أسلوب الدقّة في الوصف العاطفي وإلهام الخيال، ونقله بكل سلاسة من قلبه وعقله إلى القارئ الذي يقرأ ويتابع، بعقله وقلبه، فيعطي بالنهاية كلّ الثقة لهذا الكاتب وليعتبره الصديق الوفي فينجذب لقراءة كتاباته ويجري في كل اتجاه بحثا عن مؤلفاته.
في رأيي الشخصي فإن الدكتور حسن وجب أن يكون روائياً أكثر منه كاتباً صحفياً، لقدرته المميزة الجميلة من خلال أسلوبه الهادئ في رواية الأحداث بكل سلاسة، شخصية كانت ام مجتمعية، بكل واقعية.
فتحيّة لهذا الكاتب المبدع فالبحرين كانت وستبقى دائماً ولّادة .. من مدنها إلى قراها.