في مدينة مسقط من العام 1938 ولد عبد العزيز الشيخ علي خامس الأطفال في الترتيب بين العشرة من أخواتي وأخوتي، حيث انتقلت العائلة من البحرين إلى عُمان، إذ أنّ قسماً كبيراً من عائلة الوالد كانت تعيش وتعمل في مسقط. هناك مكثت العائلة عشر سنوات قبل أن تعود للاستقرار في البحرين. وأصبح أخي عبد العزيز بعد ذلك أباً لأربعة أبناء وهم حسب الأعمار: مها وهاني ولمياء ومحمد.
بداية الفقيد لم تكن مُعبدة، بل كانت صعبة، فقد اضطر مع أخي الأكبر عباس لترك المدرسة مبكراً بعد رحيل الوالد والعمل من أجل إعالة العائلة الكبيرة. وكان عبد العزيز من ذوي الإرادة الحديدية إذ شقّ طريقه في تلك الظروف المعيشية الصعبة، فاستطاع الحصول على وظيفة في دائرة الكهرباء في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، وكان موظفاً ملتزماً ومخلصاً في عمله وهذه الميزات حازت على تقدير عالٍ لدى مدير دائرة الكهرباء في ذلك الوقت مما جعله يحصل على ترقيات متتالية ومسؤوليات أكبر في عمله. وعدا عن تفانيه في العمل فقد حرص على التطوير الذاتي واستكمال دراسته الثانوية وتقوية لغته الإنكليزية.
انخرط عبد العزيز منذ بداية الخمسينيات بنشاط في الفعاليات الاجتماعية والثقافية حيث ازداد في ذلك الوقت زخم الأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياسية، وهذا ما كان من نصيب أبي هاني حيث شارك في الأنشطة السياسية مبكراً وكان له دور نشط في هيئة الإتحاد الوطني، فانضمّ إلى فرقة الكشافة فيها ومع ذلك لم يألوا جهداً في الاهتمام المسؤول عن العائلة وكنا نحن الصغار من الأشقاء نعتبره كالأب والقدوة والنموذج فلم يكن ليبخل علينا بشيء رغم إمكانياته المحدودة وكان يعمل في وظيفتين الأولى في دائرة الكهرباء صباحاً إما بعد الدوام كان يشغل منصب مدير للمخبز الشرقي حتى وقت إعتقاله من قبل السلطات البريطانية آنذاك.
كان أخي العزيز أبو هاني مهتماً بشكل كبير بدراستنا وأيضاً بتثقيفنا وتوفير المجلات والكتيبات التربوية والتثقيفية والترفيهية المتنوعة رغم مشاغله الكثيرة وهكذا استطاع أن يزرع فينا حب الاطلاع والقراءة. وكان اجتماعياً محبّاً للناس حريصاً على التواصل، وبذلك كوّن الكثير من العلاقات الواسعة مع أفراد المجتمع البحريني بكافة أطيافه.
وفي بدايات توجهاته السياسية كان قومياً ناصرياً بحسب التوجه العام في ذلك الوقت وأصبح عضواً في نادي العروبة. وبعد أحداث الهيئة، وكنتُ في مقتبل العمرآنذاك، لاحظتُ تحوّلاً في نوعية الأدبيات والكتب التي كان يقتنيها ويقرأها، وكان يوفر لنا في ذلك العمر الصغير كتب سلامة موسى وجورج حنا ومكسيم غوركي. وأرجح أن الأخ عبد العزيز انضمّ إلى صفوف جبهة التحرير الوطني في أواخر الخمسينيات تقريباً وبعدها أصبح منزلنا ملتقى للرفاق الأوائل واصبحت هناك اجتماعات (سرية) على فترات متباعدة. كما أتذكر فإن أفراداً آخرين كانوا يزورون أبوهاني لاستلام منشورات الجبهة، ومنها نشرة (الجماهير)، وثم يتمّ توزيعها في الأحياء على البيوت.
كان هناك محوران رئيسيان في حياة عبد العزيز الشيخ النضالية في صفوف جبهة التحرير الوطني، الأول هو تأسيس نادي النور الثقافي ودور (أبو هاني) الرئيسي في تأسيس نشاطات النادي وكسب المزيد من الأعضاء، فقد كان النادي ذا نشاطات متعددة، منها تعليمية لمساعدة الطلبة والعمال الذين لم يكملوا دراستهم النظامية ومنها ثقافية وفنية ورياضية متنوعة وكان للأخ عبد العزيز دوراً هاماً في تنظيم أمور النادي بكل احتياجاته في الإدارة والتجهيزات والأمور المكتبية وغيرها.
كان العمل المشترك والمتفاني بين الشباب المؤسسين والأعضاء الآخرين حثيثاً وذا مصداقية عالية. بالرغم من شحّ الإمكانيات مما أدّى إلى نجاح النادي وذياع صيته في المجتمع وازدياد عدد الأعضاء فيه، فقد كانت أهدافه سامية وواضحة واضطلع بدور مجتمعي كبير وفعال واستطاع ان يكسب احترام وتقدير الكثير من أفراد المجتمع مما أخاف السلطات الاستعمارية والقوى الرجعية والشوفينية آنذاك فعملت على محاربته وتشويه سمعته، وكانت التهمة جاهزة وهي نشر الفكر الشيوعي مما أدى إلى إلغاء رخصة النادي واغلاق المقر.
المحور الثاني هو انتفاضة مارس من العام 1965 ودور عبد العزيز في التحضير والتنظيم والمشاركة في هذه الانتفاضة المحورية في تاريخ العمل النضالي للشعب البحريني وجبهة التحرير الوطني والتنظيمات الوطنية والسياسية الأخرى. كانت حقبة الستينات من القرن الماضي مليئة بالتطورات والأحداث سواءً على المستوى المحلي أم على المستوى الإقليمي.
كان عبد العزيز الشيخ في أوج نشاطه النضالي والتنظيمي وأصبح منزلنا نقطة التجمع وملتقى للاجتماعات، وفي هذه اللقاءات كانت توزع المهام وتعطى الأوامر والتعليمات حول خروج المسيرات وكيفية تنظيمها وتوجيهها وأيضاً تكتيكات مواجهة الشرطة وتفادي الاعتقال وكذلك تشجيع وتحفيز الجماهير على المشاركة الفعالة في الانتفاضة في نطاق منطقة المنامة.
في تلك الأيام العصيبة والدامية استطاع أبو هاني توفير مخبىء سري لاستقبال وعلاج الجرحى والمصابين من المتظاهرين وجلب الممرضين والأطباء بصورة سرية لعلاجهم والعناية بهم وبقي الأمر في غاية الكتمان والسرية. وبما إن الشيء بالشيء يذكر، فإن الفقيد أصيب ايضاً في رجله برصاص الشوزن في أحداث الهيئة في الخمسينيات.
لا أذكر بالضبط تاريخ اعتقال شقيقي (أبوهاني)، فقد يكون أواخر عام 1965 أو بداية 1966 حيث بقي فترة في سجن القلعة قبل ان ينقل الى سجن جزيرة جدا، وأثناء وجوده في المعتقل لقي معاملة قاسية، ومثل رفاقه الآخرين تعرّض لتعذيب شديد أدى إلى إصابته في عدة أماكن من جسده وخسر جزء من أسنانه ورغم كل ذلك استطاع تجاوز تلك المحنة بكل صلابة وشجاعة.
وبعد قرابة السنتين من سجنه نفي إلى دبي حيث عمل مديراً لمكتب أحد التجار البحرينيين في مجال المواد الغذائية. وفي عام 1972 عاد عبد العزيز الى وطنه البحرين مع عائلته من دبي وعمل مع نفس التاجر في وظيفة مدير لشركة الكندا دراي في البحرين حتى تقاعده.
بعد تأسيس المنبر التقدمي حرص فقيدنا على أن يتواصل مع رفاقه، وأن يتمسك بالروح النضالية لجبهة التحرير الوطني وانضمّ عضواً عاملاً في منبرنا التقدمي.