بقلم: Hilla Dayan, Yolande Jansen
ترجمة: غريب عوض
تعريفات مُعاداة السامية
في حين أن سياسات التمييز العُنصري قد كسبت بشكل مُتزايد موقع قدماً لها في إسرائيل، هناك حالة مُتزايدة من عدم اليقين في أوروبا بشأن العلاقة بين مُعاداة السامية و ’ انتقاد إسرائيل‘. وهذا ما يُفسر جزئياً السلبية الأوروبية تجاه إسرائيل. لقد اعتاد الأوروبيون على الشعور الفاضل بأن مُعاداة السامية كانت شيئاً تركوه وراءهم بعد الحرب العالمية الثانية. فبالنسبة للتيار الأوروبي السائد، فإن “الآخرين” في المقام الأول – المسلمين – العرب، وشعوب العالم الجنوبي، والأوروبيين الشرقيين – هُم في المقام الأول مُعادون للسامية، ولم نَعُد “نحنُ”. في عام 2014، قامت الباحثة في الدراسات الثقافية إستر رومين Esther Romeyn بتحليل كيف يعتبر الهولنديون البيض أنفسهم في كثير من الأحيان مُتسامحين، باعتبارهم قد تعلموا “دروس المحرقة”، بينما يفترضون تلقائياً عكس ما يراه المُسلمين في هذهِ القضية. وهكذا، يتم بشكل فعال إضفاء الطابع الخارجي على مُعاداة السامية.
في عام 2016، وفي خُضم اختطاف اليمين المُتطرف لأجندة مُعاداة السامية، اقترح التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة Holocaust “محرقة اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية في أوروبا”، تعريفاً لِمُعاداة السامية. وفيما يلي نصه: “مُعاداة السامية هي تصوّرٌ مُعيّن لليهود، والذي يمكن التعبير عنهُ ككراهية تجاه اليهود. إن المَظاهِر الخِطابية والمادية لِمُعاداة السامية موجهة نحو الأفراد اليهود أو غير اليهود و/أو مُمتلكاتهم، وتجاه مؤسسات المجتمع اليهودي والمَرافق الدينية. لقد حَظِي تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (المحرقة) بدعم وتعزيز نشط من قِبل الحكومة الإسرائيلية ويُستخدَم الآن بشكل مُتكرر كأساس للسياسة وحتى التشريع. يستخدم المركز الهولندي للمعلومات والتوثيق حول إسرائيل هذا التعريف ويؤيدهُ، على سبيل المثال، كما يفعل مجلس النواب الهولندي، والبوندستاغ الألماني والبرلمان الفرنسي.
لقد كان هناك نقداً كثيراً لتعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة Holocaust من قِبَل الخُبراء. ليس بأنهُ غامضاً فحسب، (’ تصور مُعيّن‘، ’ يمكن أن يُعبرُ عن نفسهِ على شكل كراهية‘)، بل أنهُ يتجاهل أيضاً الأبعاد المؤسسية والمُنظِمة لِمُعاداة السامية وتختزِلُها في التصورات والمشاعر. ومع ذلك، هناك أمثِلة إشكالية بشكل خاص، حيثُ يتضمن الكثير منها انتقادا لدولة إسرائيل، والتي يتم تقديمها من خلال الجملة التالية: “تشمل المظاهر استهداف دولة إسرائيل، التي يُنظْر إليها على أنها “جماعة يهودية”. بالضبط ما يعنيه هذا تُرِكَ مفتوحاً، يمكنك تخمينهُ. ماذا يعني تصور دولة إسرائيل على أنها “جماعة يهودية”؟ ماذا يعني ذلك في سياق التمييز الهيكلي ضد الفلسطينيين؟ فهل يمكن تصنيف انتقاد هذا التمييز على أنهُ مُعاداة للسامية؟
إن التمييز غير الدقيق بين مُعاداة السامية ونقد إسرائيل يرجع ذلك جزئياً إلى إدخال مُصطلح ’ مُعاداة السامية الجديدة ‘في السبعينيات. كان الافتراض هو أن مُعاداة السامية الأوروبية التقليدية قد اتخذت شكلاً جديداً مُناهِضاً للصهيونية: نهج مُبالغ فيه في النقد والتركيز غير المُتناسب على الوضع الإسرائيلي. وباستخدام تعريف التحالف الدولي لإحياء ذِكرى المحرقة (الهولوكوست)، فإن مُعاداة الصهيونية هي تقريباً بالتعريف مُعاداة للسامية، ويمكن بسهولة رفض انتقاد إسرائيل باعتباره “تركيزاً غير مُتناسب”، لذلك لم تعُد هُناك حاجة للتعامل مع المُحتوى الفعلي للنقد.
وعودة إلى عام 2004، حيثُ قال عالِم اللُغويات البريطاني براين كلوغ Brian Klug إن المُساواة بين مُعاداة الصهيونية ومُعاداة السامية كانت إشكالية لإنها جعلت من المُستحيل انتقاد التمييز ضد السُكان غير اليهود، وخاصةً ضد الفلسطينيين، داخل دولة إسرائيل. وفي مُحاضرة ألقاها في عام 2021، وصف براين كلوغ كيف تلعب “الشبكة المُتشابِكة” من التعريفات العِرقية والإثنية والقومية والدينية والسياسية المُتداخِلة لليهودية – إرث التاريخ الأوروبي – دوراً مُهماً في هذا الارتباك.
في عام 2020، تمت صياغة تعريف لِمُعاداة السامية أكثر دقة في إعلان القُدس بشأن مُعاداة السامية (JDA). وقد ساهم بعض الباحثين الرواد في العالم في مجال مُعاداة السامية والمحرقة في هذا التعريف الجديد، والذي كان المقصود منهُ أن يكون بديلاً لتعريف التحالف الدولي لإحياء ذِكرى الهولوكوست (المحرقة) IHRA، وقد أيدهُ العديد من العُلماء في مجالات الدراسة هذهِ. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، دَعا العديد من الموقعين على أعلان القدس بشأن مُعاداة السامية (JDA)، الأمم المتحدة إلى عدم اعتماد تعريف IHRA التحالف الدولي لإحياء ذِكرى المحرقة Holocaust. يُشير تعريف أعلان القدس بشأن مُعاداة السامية (JDA) إلى أن مُعاداة السامية هي شكل من أشكال العُنصرية، وإن انتقاد إسرائيل، بشرط أن يكون مُتناسباً وقائماً على حقائق، لا ينبغي اعتباره مُعادياً للسامية؛ ولا ينبغي أيضاً الدعوة إلى مُقاطعة إسرائيل بسبب سياسة الفصل العُنصري التي تنتهجها تجاه الفلسطينيين.
وهذا مُهم، فبالنسبة لقضية المُقاطعة، فإن حملة سحب الاستثمارات وفرض العقوبات، غالباً ما يُنظَر إلى مثل هذهِ الدعوات على أنها مُعادية للسامية ويتُمُ حظرها في العديد من الدول الأوروبية على هذا النحو. على سبيل المِثال، نظراً لتأييدها للمقاطعة ولحملة سحب الاستثمارات وفرض العقوبات تم مؤخراً تجريد الكاتبة المسرحية البريطانية الشهيرة كارل تشرتشيل Caryl Churchill من جائزتها الدراما الأوروبية (وهي جائزة ألمانية مرموقة للأعمال الدرامية)، ولنفس السبب، إتُهِمَ الفيلسوفان جوديث بوتلر Judith Butler و أتشيلي ميمبي Achille Mbembe، وكذلك العديد من الفنانين والعُلماء (خاصة) ذوي الأصول الفلسطينية منهم، من مثل آنا إيستر يونس Anna Esther Younes و يازان خليل Yazan Khalil، قد تم اتهامهم أيضاً بِمُعاداة السامية. وقد ترتب على ذلك عواقب شخصية ومِهنية وقانونية خطيرة، خاصةً بالنسبة للفلسطينيين من هذهِ الفئة.
يؤكد تعريف إعلان القُدس بشأن مُعاداة السامية (JDA) على أن مُعاداة السامية تتجلى في المواقف والمُعتقدات تجاه الشعب اليهودي، وليس تجاه دولة إسرائيل: “إنكار حق اليهود في دولة إسرائيل في الوجود والازدهار، بشكل جماعي وفردي، كيهود، وفقاً لـ مبدأ المُساواة (التعريف: ب 10.). ولهذا، فإن التوضيح في إعلان القُدس بشأن مُعاداة السامية (JDA) ينقل التركيز من على الدولة إلى السُكان، مُؤكداً على أهمية المُساواة بين اليهود وغير اليهود في إسرائيل/فلسطين (وما وراء ذلك). وبالتالي فإن انتقاد الطابع العِرقي لدولة إسرائيل لا يُشكّل في حد ذاتهِ مُعاداة للسامية. ومع ذلك، على أساس تعريف التحالُف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة IHRA، فإن المُناشدات المُطالِبة بشكل مُختلف وأكثرُ عدلاً للحكومة يمكن تفسيرها بسهولة على أنها مُعادية للسامية: وفقاً لتعريف التخالف الدولي لإحياء ذِكرى المحرقة IHRA، يمكن بسهولة وصف انتقاد الطابع اليهودي لدولة إسرائيل بِأنهُ “استهداف اليهود”، وبالتالي مُعاداة السامية.
إن تعريف إعلان القُدس بشأن مُعاداة السامية (JDA) في حدِّ ذاتهِ ليس خالياً من المُشكلات، ومع ذلك، فهو لا يتخلى عن التركيز على إسرائيل/ فلسطين ومُعاداة الصهيونية، ولا يُعطي اهتماما كافياً للأبعاد اليمينية المُتطرِفة والمُنظمة والمؤسسية والثقافية لِمُعاداة السامية التاريخية والمُعاصِرة. والجانب الصعب الآخر لإعلان القدس بشأن مُعاداة السامية هو فشله في مُتابعة اقتراحه بأن التصريحات الانتقادية لإسرائيل ليست مُعادية للسامية “في ظاهرها” مع أي توجيهات حول كيفية التمييز بين النقد الحقيقي ومُعاداة السامية المُخبئة كنقد.
بالطبع، لا يمكن وضع تعريف مُسبق لِمُعاداة السامية: ففكرة النية في حد ذاتها هي حتماً مسالة تتعلق بالسيرة الذاتية للمُتحدث وسياق الكلام، كما قال أحد المُبادرين ومؤلفي إعلان القُدس بشأن مُعاداة السامية (JDA) براين كلوغ Brian Klug لنأخذ على سبيل المِثال، قضية المُحاضر الفلسطيني الأمريكي المُساعد، الذي دعا الطلاب في إحدى الدورات التعليمية المؤيدة للفلسطينيين إلى مُقاومة ليس فقط إسرائيل الصهيونية (هذهِ الأرض ليست لليهود، أنا آسف) بل أيضاً “نيويورك الصهيونية”، وتمّ توقيفه عن العمل على الفور. هل كان هذا مُعاداة للسامية “في ظاهر الأمر”؟ كان السياق عِبارة عن درس تعليمي حول حرب غزة؛ هوية عضو في مجموعة مُضطهَدة؛ مُعاداة الصهيونية الشديدة، حتى وإن تم التعبير عنها بأسلوب غير مقبول، الموقف الأيديولوجي المشروع للفلسطيني في الشتات. إن ما نراه في هذا المِثال هو كيف أن التعريفات تختزل الأشخاص والسياقات في كلام واحد، والظروف هي فكرة لاحِقة.