الحقوقي المثير للجدل

0
111

يعتبر الحقوقي البحريني نبيل رجب أحد الحقوقيين البارزين في عمله طوال سنوات عديدة خاض فيها الكثير من التجارب التي ساهمت في صقله وإكسابه الخبرة الواسعة في مجال حقوق الإنسان. وبشهادة العديد من المنظمات الدولية الحقوقية، فإن رجب من الشخصيات التي قدمت الكثير في الدفاع عن حقوق الإنسان والنضال من أجل التغيير ورفع الظلم عن الفئات المنتهكة حقوقها الإنسانية بغض النظر عن عرقها ودينها وثقافتها.

نشأة نبيل رجب في مدينة المنامة المعروفة بتنوعها الإثني والثقافي بوجود جاليات من مختلف الأعراق، ساهم في تبنيه ثقافة قائمة على التعايش والتسامح مع الآخر المختلف شكلًا ومضمونًا. هذه الثقافة الرفيعة ستزداد توسعًا ورسوخًا مع انتقال رجب إلى الهند من أجل إكمال دراسته الجامعية.

من أبجديات العمل الحقوقي التي يجب أن يلتزم بها كل من أراد الانخراط في هذا المجال، أو من قطع شوطًا طويلًا، الإيمان بتساوي البشر في حصولهم على كافة الحقوق الاجتماعية والمدنية والسياسية، بعيدًا عن الاعتبارات العرقية والدينية أو السياسية والثقافية، لذلك فشل الكثير من الرجال والنساء الطارئين على العمل الحقوقي في المجتمعات العربية من أداء عملهم بحرفية ومهنية عالية، لعدم إيمانهم والتزامهم بهذه الأسس البديهية في العمل الحقوقي.

يُوصف نبيل رجب بالشخصية الحقوقية المثيرة للجدل، فعبر تاريخه الطويل في العمل الحقوقي دافع عن فئات مختلفة، فقد دافع عن حقوق أفراد ينتمون إلى تنظيمات إرهابية وسجناء معتقل غوانتانامو، وضحايا أحداث 2011 في البحرين، وأخيرًا دفاعه عن الأفراد التابعين لجمعية التجديد. هذا الجدل المثير حول شخصية رجب هو نتيجة طبيعية للثقافة السائدة القائمة على التشدد للطائفة أو الجماعة أو الحزب السياسي. لذلك من غير المستغرب أن يحصل رجب على الثناء والمديح من قبل الجماعات السلفية، لدفاعهِ عن حقهم في الحصول على محاكمة عادلة ورفض تعذيبهم في سجون غوانتانامو، وأن يصفوه، هم أنفسهم، بالطائفي والمنحاز إلى المعارضين الشيعة في 2011.

كذلك ليس بالأمر المفاجئ أن يتحول رجب من بطل حقوقي وطني في عيون أغلبية المعارضة الشيعية وجماهيرها إلى شخص حقوقي منحاز لجماعة صغيرة يعمل على نشر أفكارها النقيضة والمسيئة للمذهب الشيعي وأتباعهِ في البحرين.

ليس ذنب نبيل رجب أن يصبح شخصية حقوقية مثيرة للجدل، إذ فرضت عليه ثقافته المتسامحة، وأخلاقه الرفيعة، ومهنيّته العالية، أن يكون متماهيًا ومنسجمًا معها. الهجوم الأوسع والانتقادات الأشرس هي التي تلقاها من قبل البعض حول جمعية التجديد. وفي تعليقه على ذلك، يقول رجب: “مبادئي الحقوقية وقيمي الإنسانية، لا أستطيع التخلي عنها محاباة لهذا الطرف أو ذاك”. “صحة الموقف لا يحددها الفعل ورد الفعل أو حجمهِ، ولا دعم هذا التيار أو خسارة ذاك”. وبمعنى آخر أن المسطرة يجب أن تكون واحدة، سواءً كان الضحية سلفياً، أو شيعياً، أو لا دينياً.

من المؤلم لأي ناشط حقوقي أن يبذل الغالي والنفيس، وأن يضحي بالكثير على حساب صحته وأسرته، من أجل الدفاع عن حقوق الفئات التي تتعرض للظلم والانتهاك لأبسط حقوقها، داخل بلده وخارجه، أن يتم التشكيك بسهولة في صدق عمله وحجم تضحياته. فقد تم اعتقاله ودخوله للسجن أول مرة في عام 2012 وبعدها في 2016، وفي يونيو 2020 أطلق سراحه من السجن إثر قانون العقوبات البديلة.

في فترة وجوده داخل السجن صرف رجب جهوده إلى كتابة روايته الأولى بعنوان “رسالة بأثر رجعي” التي يوثق فيها قصصه وتجاربه ومعاناته في مسيرة عمله في مجال حقوق الإنسان. في هذه الرواية لم يقتصر رجب على الشأن المحلي، بل تحدث أيضًا عن تجاربه الواسعة في الهند والنيبال وما تعانيه هذه البلدان من قضايا إنسانية عديدة، مثل: الفقر المدقع، والاتجار بالأشخاص، واضطهاد النساء، واستغلال العمالة المهاجرة.

العمل الحقوقي في الدول العربية له تعقيداته وصعوبته البالغة، سواءً من الجانب الرسمي أو المجتمع المدني والشعبي.

في مقابلة مع نبيل رجب -صفحة مواطن الإلكترونية- سنة 2023 يُجيب على سؤال طُرح عليه، مضمونه “دافعت عن مختلف الأعراق والأديان، وتتعرض من وقت لآخر لنقد وتشهير من مجموعات مختلفة؟ كانت الإجابة على النحو التالي: نعم، هناك محطات في عملي الذي تلقيت فيها بعضًا من الانتقادات، ليس من الحكومات فقط، إنما من بعض الجماعات الشعبية أيضًا، معظمها ناتج عن فهم قاصر أو مُسيس ومغاير للقيم الإنسانية التي نسعى إلى تعزيزها، مبادئ حقوق الإنسان للجميع من دون استثناء، ديني أو عرقي أو اجتماعي أو لأي اعتبار آخر، إلا أنها لا زالت ثقافة غير متجذرة عند بعض مجتمعاتنا المحلية”.

لهذه الأسباب وغيرها أصبح الحقوقي نبيل رجب مثيرًا للجدل.