تضارب مواقف الاتحاد الأوروبي من الوقود الأحفوري

0
3

يوم الثلاثاء 14 شباط/فبراير 2023، أقر البرلمان الأوروبي قانونا يحظر فعليا بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل في الاتحاد الأوروبي اعتبارا من عام 2035، “بهدف تسريع التحول إلى السيارات الكهربائية في إطار سياسة مكافحة التغير المناخي”. لذلك سوف يتعين على شركات صناعة السيارات، بحلول عام 2035، تحقيق خفض بنسبة 100% في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من السيارات الجديدة المباعة، ما يجعل من المستحيل بيع سيارات جديدة تعمل بالوقود الأحفوري في بلدان الاتحاد الـ 27 بعد هذا التاريخ.

بالمقابل، رفضت المفوضية الأوروبية في فبراير الماضي طلب 4 مجموعات بيئية لسحب قرارها الذي اتخذته في وقت سابق، بتصنيف الغاز الأحفوري ضمن مصادر الطاقة المستحقة للتمويل المستدام في الاتحاد الأوروبي ومنح محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز علامة “مستدامة”، إذ اعتبرت المفوضية محطات توليد الطاقة بالغاز، تقنية “انتقالية”، على أن تحقق حدا صارما لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وأن تحل محل محطات الطاقة الحالية التي تعمل بالفحم؛ ما دفع المجموعات البيئية لرفع دعوى قضائية ضد المفوضية في محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، على أساس أن التشريع يتعارض مع قانون المناخ الأوروبي، كما يهدر التزامات الاتحاد الأوروبي تجاه اتفاق باريس للمناخ.

وكما هي سردية مثل هذه المنظمات غير الحكومية، فـ”الغاز لا يعتبر مصدرا مستداما للطاقة لأنه مصدر عالي الكربون عند الاحتراق، كما أن استخراجه ونقله يؤديان أيضا إلى إطلاق غاز الميثان، وهو أحد غازات الاحتباس الحراري القوية.” ولأن مثل هذه الآراء لا تقيم وزنا لدواعي ومتطلبات التنمية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، فقد اضطُر أصحاب الدعوى لتضمين صحيفة دعواهم، مسوغات اقتصادية تلقى هوى لدى بيروقراطيي بروكسل هذه الأيام، وتحديداً التنبيه والتحذير من مغبة أن “يؤدي استمرار اعتماد الغاز كمصدر للطاقة في الاتحاد الأوروبي، الى تفاقم اعتماد بلدانه على الوقود الأحفوري المستورد، ما يعرضها لمزيد من الآثار السلبية لتقلب الأسعار، وأزمات الامداد، واستمرار الاعتماد على الدول المنتجة للغاز في المستقبل. الأمر لا يقتصر على الغاز، فقد رفعت منظمات السلام الأخضر من 8 دول أوروبية، دعوى أخرى ضد المفوضية بسبب ادراجها الطاقة النووية ضمن مصادر الطاقة المستدامة. ومع أن الطاقة النووية، على عكس الغاز، هي تقنية صفرية الكربون، الا أن “غرينبيس” الأوروبية تعارضها بدواعي مشاكل التخلص من النفايات النووية، والسلامة والتكلفة.

أيضا، في اجتماع وزراء البيئة لمجموعة السبع الذي عقد في مدينة سابورو اليابانية منتصف شهر أبريل 2023، اعترض الاتحاد الأوروبي (الى جانب أمريكا واليابان) على تحديد عام 2030 كآخر موعد لاستكمال التخلص التدريجي من محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم. فاليابان تبني حاليا 4 محطات لتوليد الطاقة بالفحم (3 منها قيد التشييد والرابعة في مرحلة ما قبل التشييد)، وبولندا لن تتخلص من محطات طاقة الفحم لديها قبل 2049. فضلا عن دول أوروبية شرقية أخرى لا تستطيع مجاراة طموحات وأحلام بيروقراطية بروكسل المسكونة بلوثة المناخ.

كما لو أن الاتحاد الأوروبي كان يبحث عن ضالته فوجدها في المثل القائل “أُسقِط في يده”، الذي صار، والحال هذه، ينطبق عليه تمام الانطباق، وهو يعض أصابع الندم على تصنيع وتنشئة طابور الـ “NGOs”. فقد أضحت هذه المنظمات التي تحظى برعايته باعتبارها إحدى أدوات ممارسته السياسة الخارجية، تُزايد على “بروتوكولات العمل المناخي” لبروكسل. هي التي أوقعته في مصيدة التناقض الذي تؤشر اليه الأمثلة السابقة. فهو يريد – وفي ذات الوقت لا يريد – مكافحة انبعاثات غازات الكربون.

إنما، بعيداً عن مزايدات ومناكفات الـ “NGOs” التي يمكن للمفوضية الأوروبية في بروكسل، في أية لحظة، أن تتحول عنها وتقمعها وتبعدها عن طريقها، فقد أوقع قادة الاتحاد الأوروبي بلدانهم في ورطة حقيقية تتعلق بمستقبل امدادات الطاقة لصناعاتها ومنشآتها ومرافقها وشركاتها ومؤسساتها ومواطنيها. فهم من جهة قطعوا امدادات النفط والغاز الروسيين اللذين كانا يصلان الى بلدانهم بأسعار تقل بأكثر من 30% من الأسعار المنافسة. وقبل ذلك، اندفعوا لرفع  راية الحرب الشعواء ضد الوقود الأحفوري، باسم مكافحة ظاهرة التغيرات المناخية التي جندوا لها طوابير من “العلماء والاختصاصيين” لفرض أجندتها على الأسرة الدولية جمعاء وعلى أوساط العمل المناخي بصفة خاصة. فلا غرو أن يقعوا ضحية تناقض وحرج قراراتهم ومواقفهم من مصادر الطاقة الأحفورية.

ملمح آخر يضج تضارباً في السياسات المناخية الأوروبية، هو ذاك الذي شاهده العالم على شاشات التلفزة وشبكات التواصل الاجتماعي. الأمر يتعلق باحتجاجات المزارعين الأوروبيين العارمة التي اجتاحت عواصم ومدن أوروبا مطلع العام الجاري (2024) ضد سياسات الحكومات الأوروبية المتعللة بمكافحة تغير المناخ؛ أو كما يقول خبراؤها إن أوروبا أصبحت القارة الأسرع ارتفاعا في درجات الحرارة على هذا الكوكب. حتى شهر فبراير 2024، نظم المزارعون في كل أنحاء أوروبا أكثر من 4000 احتجاجا، بزيادة قدرها 300% عن العام الماضي، وفقًا لشركة بيانات المخاطر العالمية فيريسك مابلكروفت، فقد خرج المزارعون في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك بلجيكا وفرنسا وألمانيا واليونان والمجر وإيطاليا ولاتفيا وليتوانيا وهولندا وبولندا وإسبانيا ورومانيا، وكذلك في بريطانيا والهند – غضبا على إلغاء الدعم وفتح الباب على مصراعيه أمام الواردات الزراعية الرخيصة التي لا تلبي نفس المستوى من الاشتراطات المفروضة على المنتجات الزراعية التي ينتجونها. كما يطالبون بمواصلة دعم الوقود وإعادة النظر في القيود المفروضة على الأسمدة والمبيدات الحشرية من روسيا. الحكومة الألمانية، على سبيل المثال، أعلنت في ديسمبر/كانون الأول 2023، عن خطط لخفض الدعم والإنفاق في محاولة لسد فجوة قدرها 17 مليار يورو في ميزانية البلاد لعام 2024، تسبب فيها انخراط البلاد في الحرب بالوكالة التي تشنها واشنطن ضد روسيا على الأراضي الأوكرانية. بينما يطالب المزارعون اليونانيون باتخاذ تدابير لمنع تضرر الأراضي الزراعية بسبب الفيضانات وغيرها من الأحوال الجوية القاسية. أما في فرنسا فقد جنحت الاحتجاجات نحو أساليب الضغط العنيفة لاجبار الحكومة الفرنسية  على التراجع خطط خفض دعم الوقود الزراعي، وهو ما حدث فعلا، حيث تراجعت عنها الحكومة في نهاية يناير 2024، لكن ليس قبل أن يقوم المزارعون في ديجون برش السماد على مبنى حكومي محلي.

هذه الإجراءات الحكومية الأوروبية التي تستهدف المزارعين بحجة تحقيق هدف الاتحاد الأوروبي القاضي بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بأكثر من النصف بحلول عام 2030، تتضارب مع خطط الاتحاد الأوروبي لفرض ضرائب على واردات السيارات الكهربائية من الصين، والتي يفترض تسهم في خفض الانبعاثات قياسا للسيارات التي تعمل بالوقود السائل. فلسوف يفرض الاتحاد الأوروبي ضريبة مؤقتة تتراوح ما بين 17.4% إلى 38.1% على المركبات الكهربائية القادمة من الصين لمدة أربعة أشهر اعتبارا من 4 يوليو 2024. كما ستنطبق هذه التعريفات على المركبات ذات العلامات التجارية الأجنبية، بما في ذلك تسلا، وذلك بحجة حماية شركات صناعة السيارات الأوروبية.