بقلم: Udeepta Chakravarty
ترجمة: غريب عوض
بولاية ناريندرا مودي Narendra Modi الرئاسية الثالثة، تظل الديمقراطية في الهند مُعرضة للخطر. تصفُ المُعارضة، التي حققت مكاسب مع الفقراء والمحرومين والمهمشين من الناخبين، حاجته للحكم في ائتلاف بِأنهُ انتصار. ولكن هل سيؤدي الصراع الداخلي والأخطاء السياسية إلى صرف انتباه اليسار عن مواجهة تحالف الأحزاب القومية الهندوسية؟
لقد انتهت الانتخابات الهندية، وأدى الرئيس ناريندرا مودي اليمين لولاية ثالثة في الحكم. ومع ذلك، أعلن تحالف المَعارضة (INDIA) “الهزيمة الأخلاقية والسياسية للرئيس مودي في هذهِ الانتخابات. لماذا؟ خلال الحملة الانتخابية، أعلن حزب الرئيس مودي، حزب بهاراتيا جاناتا BJP، وائتلافه الحاكم، التحالف الوطني الديمقراطي (NDA)، بكل فخر، عن فوزهما هذهِ المرة بأكثر من 400 مقعد. دخلت وسائل الإعلام المؤيدة للرئيس مودي في حالة جنون من ذلك الشُعار وبدأت على الفور في عرض “400 مقعد”.
لقد كان الخطاب الشعبي يدور بشكل هاجس حول هذا السؤال بالتحديد: هل سيفوز التجمع الوطني الديمقراطي بـ 400 مقعد؟ ويبدو أن الجميع يتجاهل الحقيقة الأساسية المُتمثلة في أن هناك حاجة إلى 270 مقعداً فقط لتشكيل الحكومة، لذا، عندما فاز حزب بهاراتيا جاناتا BJP بـ 240 مقعداً، وفاز حزب التجمع الوطني الديمقراطي بـ 293 مقعداً، كان الأمرُ مُفاجئاً. وهذا صحيح: فللمرة الأولى مُنذُ عشر سنوات، سيتعيّن على الرئيس مودي Modi أن يحكم ليس بالأغلبية المُطلقة بل من خلال ائتلاف. ورغم ذلك، إذا قرأ المرء فقط التغطية الإعلامية الليبرالية لهذه النتائج، فإنهُ يبدو في بعض الأحيان وكأن المُعارضة، وليس الرئيس مودي، هي التي فازت. وقد بَشّرَ العديد من النُقاد بانتصار الديمقراطية، وهزيمة نظام الرئيس مودي السُلطوي. وقد زعم المُعلِق الليبرالي المؤثر براتاب بانو ميهتا Pratap Bhanu Mehta، ’أن جو اليأس، والظل الخانق للاستبداد، ورياح الطائفية المُقزِزة، قد أختفى، على الأقل في الوقت الراهن.‘
ولكن إليكم الحقائق البسيطة حول الانتخابات: فاز حزب بهاراتيا جاناتا BJP بـ 240 مقعداً، وفاز تحالف المعارضة بـ 232 مقعداً. وأحتفظ حزب بهاراتيا جاناتا BJP بشكل أساسي بنسبة 36% من إجمالي حصة الأصوات الانتخابية في انتخابات عام 2019، بينما حصل تحالف المعارضة على نسبة 21.19%. من المؤكد أن هذهِ النتيجة تُمثّل انتكاسة للرئيس مودي، وحزب بهاراتيا جاناتا BJP، واليمين القومي الهندوسي على نطاق أوسع؛ ومن المؤكد أنها فترة راحة لقوى المعارضة. ولكن سيكون من الحماقة الاحتفال بهذهِ اللحظة باعتبارها انتصارا.
تحليل رصين لليسار
في هذهِ اللحظة، أطرح ثلاث مُلاحظات حول المسار الصعب الذي تسلِكهُ الديمقراطية الهندية.
أولاً، أخبار ساره: الفقراء المسلمون والمنبوذين والطبقات الضعيفة المختلفة الأُخرى – القطاعات المُهمشة والمضطهدة اجتماعياً من سكان الهند – صوتوا ضد نظام الرئيس مودي Modi. وكان تحالف المعارضة، الذي ركز حملته الانتخابية على قضايا الرعاية الاجتماعية والوظائف والدستور، قادراً بشكل فعال على تعبئة هذهِ الأقسام ضد النظام السلطوي للرئيس ناريندرا مودي. وكان هذا بمثابة تصحيح للمسار الذي كان اليسار الليبرالي في أمس الحاجة إليه: تجديد الخطاب السياسي الاشتراكي الديمقراطي.
ثانياً، هناك حقيقة أكثر واقعية: وهي أن النسبة المئوية للأصوات المؤيدة للرئيس مودي لم تنخفض. هناك استدلالين يمكن استخلاصهما من هذا، أحدهما مُتفائل والآخر مُتشائم. الاستدلال المُتفائل هو أن تحالف المعارضة طوَرَ اتفاقا فعالاً بشكل ملحوظ لتقاسم المقاعد بين الأحزاب الأعضاء لتحويل حصة الأصوات إلى فوز بالمقاعد. وهذا ليس بالأمر الهيّن، نظراً لأن التحالف متنوع ايديولوجياً ومليء بالشخصيات السياسية البارزة، مع الزُمرْ والطوائف المُصاحِبة. والاستدلال المُتشائم هو ما جادلت أنا بشأنهِ قبل الانتخابات: لقد حققت القومية الهندوسية الهيمنة. وهناك كتلة تصويت هندوسية موحدة تستطيع القوى القومية الهندوسية الاعتماد عليها لتحقيق الانتصارات على الرغم من عزل قطاعات واسعة من الفقراء والمُهمشين في الهند. وهذا يعني أن المُنافسة الانتخابية في الهند تحدث الآن بشكل جوهري بين 65% في المائة فقط من الناخبين، خارج كتلة التصويت الهندوسية – وأغلبهم من الفقراء؛ والناخبين في تلك الولايات الطرفية حيثُ تُهيّمن الهويات دون الوطنية والإقليمية. ويتمثل التحدي الذي تواجهه المعارضة في المُضي قُدماً في خوض معركة دِفاعية لإبقاء حزب بهاراتيا جاناتا BJP محدوداً بحصته من الأصوات البالغة 35% بالمائة وأقل من الأغلبية المُطلقة من حيث عدد المقاعد.
ملاحظتي الثالثة، هي أن هناك انقسامات تظهر داخل النظام الحاكم. وهُناك جانبان لهذا. أولاً، تعمل مركزية الحزب المُفرِطة في عهد الرئيس مودي Modi على خلق انشقاقات في داخل الحزب ومن خلال تنفير كوادر الحزب والمنظمات التطوعية القومية الهندوسية التي تقدم عادةً دعم التعبئة لحزب بهاراتيا جاناتا BJP. ثانياً، من المؤكد أن شريكي حزب بهاراتيا جاناتا BJP وهما حزب تيلوغو ديسام Telugu Desam من ولاية أندرا براديش، وحزب جنتا دال يونايتد Janta Dal United من ولاية بيهار، من المؤكد أنهما سوف يحدان من الحيز المُتاح أمام مُناورة الرئيس مودي. وهذا من شأنهِ أن يُنشأ مُعضلة كلاسيكية لحزب بهاراتيا جاناتا BJP – هل يعمل على تعزيز السياسات القومية الهندوسية بقوة أم أنهُ يتوصل إلى تسوية مع شُركاء لديهم مصالح إقليمية مُختلفة؟ فالأول سَيُعرّض ائتلاف الرئيس مودي للخطر، أما الثاني فسوف يُثير استياء قاعِدتهُ الهندوسية. وسوف يُشكَل هذا القيد الائتلافي على الرئيس مودي Modi التحدي الأكبر الذي يواجهه في فترة ولاياته الثالثة.
لن تكون الخطوات التالية التي يتعين على المُعارضة اليسارية / الليبرالية في الهند أن تكون بسيطة. الشرط الأول، وهو الحد الأدنى، هو أن يظل التحالف الهندي موحداً، بدلاً من تفكك الخلافات التافهة.
وستكون المهمة التالية هي مُمارسة ضغوط لا هوادة فيها على جميع المُمارسات الاستبدادية والسياسات القومية الهندوسية للحكومة. وذلك يشمل دعم احتجاجات المجتمع المدني ضد النظام الحاكم والإعلان باستمرار عن أخفاقات الحكومة. وفي الوقت نفسه، يجب على المعارضة أن تستمر في تعبئة الطبقة الفقيرة في الهند والدفاع عن القضايا والمخاوف الإقليمية ودون الوطنية – وهذهِ هي المعركة الدفاعية لـ 65% من الناخبين. الهدف هو منع القوميين الهندوس من جذب مجموعات الهندوس والمنبوذين والطبقات المُتخلفة الأُخرى الفيرة، إلى كُتلة التصويت الهندوسية المُنظمة ضد المُسلمين. وكان من بين المظاهر المُشجِعة التي قدمتها المعارضة للهدف المتوسط المدى التمثيل العالي للطبقات الاجتماعية المُتخلِفة الفقيرة، والمنبوذين والمسلمين في قائمة المرشحين للانتخابات؛ كان مُرشحو حزب بهاراتيا جاناتا BJP في الغالب من الطبقة العُليا من الهندوس
وتتلخص المهمة الأطول أمداً بالنسبة للمعارضة الهندية في تنمية كتلة تصويتية أكثر أهمية حول قضايا عدم المُساواة والحريات التي يكفلها الدستور. ويًشكّل تسييس التفاوتات الطبقية، والطبقية والإقليمية / دون الوطنية المكونات الرئيسة للمهمة طويلة الأمد: فلابُدَ أن يؤدي ذلك إلى ترسيخ وتعميق الخِطاب الديمقراطي الاجتماعي الذي أبتكره خلال الانتخابات – وجعل الالتزامات القيمة بالمساواة والحرية تبدو وكأنها منطق سليم. وعندما يقوم تحالف المعارضة بتشكيل حكومات في انتخابات الولايات، يجب عليه أن يقوم بحملات انتخابية ثم يحكم وفقاً لهذهِ المبادئ.
وفي العموم يجب أن تكون هذهِ الأهداف قابلة للتحقق. ومن المؤسف أن تحالف المُعارضة الحالي مليء بالسياسيين الانتهازيين وقصيري النظر والفاسدين. إن حقيقة أن اليسار الهندي كان حَريصاً للغاية على الاحتفال بانتكاسة الرئيس ناريندرا مودي، باعتبارها انتصارا كبيراً تُعتبر علامة ضعف كما أراها. إن التقدم الحقيقي سوف يتمثل في التحليل الرصين الذي يُجربهُ قادة أكثر بُعد نظر للتحديات المُقبلة.
وحتى ذلك الحين، فإن الديمقراطية في الهند سوف تظل على أجهزة دعم الحياة.