تساؤلات مشروعة حول رؤية البحرين 2050

0
6

في التاسع عشر من شهر فبراير من العام الجاري، وبعد اجتماع لمجلس الوزراء تمّ الاعلان عن التوجه نحو رؤية البحرين 2050. يأتي هذا الإعلان في وقتٍ تبقت فيه فقط ست سنوات على استكمال مستهدفات رؤية البحرين 2030 الحالية التي تمّ اطلاقها منذ اكتوبر 2008 بما حملته حينها من مقوّمات رئيسة هي: العدالة والتنافسية والاستدامة، في محاولة استشراف لمستقبل الاقتصاد الوطني والتنمية في مملكة البحرين.

كُتب الكثير حول تلك الرؤية وأهدافها والمؤمل منها، وقد تداولتها النخب التجارية والاقتصادية والسياسية والمهتمون بسوق العمل من زوايا عديدة عبر ندوات ونقاشات لم تتوقف حتى اللحظة، ويُحسب للرؤية أنها زادت من حيوية وتطلعات مجتمعنا البحريني تجاه ما تطمح له الرؤية من اهداف، خاصة وأنّها تركز بشكل واضح على جملة أهداف بمثابة طموحات، من بينها زيادة الشفافية وجعل البحريني الخيار الأفضل في سوق العمل وإيجاد فرص نوعية للبحرينيين في السوق، علاوة على وضع مؤشرات قياس واضحة لما يمكن إنجازه من خلال الرؤية، وباعتقادي أن مجرد وضع الرؤية، أي رؤية، يعني أن هناك توجهاً عاماً لدى الدولة بشكل عام نحو تحقيق أهداف تنموية محددة في مجابهة تحديات تنموية ومعيشية واقتصادية واجتماعية تستشعرها الدولة، وهي تؤشر بوضوح على توجه محدد خلال فترة زمنية معلومة، وهذا امر مطلوب على باية حال.

 ما أردنا نقاشه هنا أن التساؤلات التي طُرحت في الشارع البحريني حيال رؤية البحرين 2050 المفترض ان تطلق بحسب توجيه سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء قبيل نهاية العام الجاري 2024 تحتاج من القائمين عليها إلى مزيد من الاصغاء  والتأمل، خاصة ونحن كمتابعين لم نعرف بعد ما الذي تحقق بالفعل من اهداف في الرؤية الحالية والتي لازال أمامنا سنوات لاستكمالها!

يضاف إلى ذلك أن المقومات الثلاثة الأساسية للرؤية الحالية حول العدالة، والتنافسية، والاستدامة، هي تحديات لا زالت من وجهة نظرنا ونظر الكثيرين قائمة بالفعل وبقوّة أكبر مما كانت عليه قبل  اطلاق الرؤية ذاتها، فأسئلة من قبيل هل توافرت الفرص النوعية للبحرينيين في سوق العمل بالفعل بالمقارنة بما هو عليه الحال بالنسبة للوظائف النوعية في السوق كالمحاسبين والأطباء والممرضين والطيارين والمهندسين والفنيين والمهنيين وغيرهم؟، وهل يستشعر البحرينيون في سوق العمل عدالة الاجور وعدالة الفرص، لا بل هل يستشعر ذلك السواد الأعظم من التجار البحرينيين في السوق من صغار ومتوسطي الشركات الذين يمثلون أكثر من 95% من الشركات ويساهمون بأكثر من 40% من الناتج المحلي الاجمالي؟، وفي ما يخصّ التنافسية: هل أصبح اقتصادنا تنافسياً بالشكل الذي طمحت إليه الرؤية؟، وأين هي مؤشرات التنافسية التي أنجزت سواء بالنسبة للسوق المحلي، أم حتى على مستوى المنافسة مع دول الجوار المتشابهة معنا في طبيعة اقتصاداتها ومواردها وامكاناتها المادية والبشرية؟!  وما الذي أصبح فيه اقتصادنا أكثر تميّزاً، وهل استطعنا أن نحقق نوعاً ولو محدوداً من ذلك التكامل المنشود الذي كثر الحديث حوله مع اشقاءنا في الإقليم، وهل هناك مؤشرات حقيقية على تحقيقنا بعض النجاحات المطلوبة لتنويع قاعدتنا الاقتصادية، بعيداً عن الأرقام الرسمية التي يرى الكثيرون أنها لا تستطيع أن تصمد أمام واقع الحقائق على الأرض..الخ؟!  

أما بالنسبة  للاستدامة وهو المقوم الثالث من الرؤية فهل أصبحت لدينا استدامة في شركاتنا ومؤسساتنا واقتصادنا يمكن الاطمئنان إليها والبناء عليها للمستقبل؟! وهل يتسق ذلك مع ما نشهده من خروج شركات مهمة من السوق وفي بعض القطاعات المهمة، علاوة على تراجع امكانات الكثير منها عن الاستمرار في وجه المنافسة الشرسة، بفعل ما احدثه الغموض المحيط بنموذجنا الاقتصادي وهويته الواضحة، وفي ظل تغول ما بات يطرح علينا من اجندات مدمرة من قبل من نعتبرهم شركاء دوليين كالبنك والصندوق الدوليين لتغيير نهجنا الاقتصادي، بحيث بات من الوضوح أن الاتجاه المفرط وغير المدروس للخصخصة وتفرعاتها، يشلّ من ديناميكية وتطور السوق ويلقي بالألاف من العاملين البحرينيين على قارعة التعطل وخسران وظائفهم ويزيد من عجوزات الصناديق التقاعدية ويفاقم الأوضاع المعيشية، ويتسبب بانهيارات سريعة للطبقة الوسطى؟، وللحق نقول إن ما يعلن من أرقام رسمية حول حجم التوظيف ونسب البطالة لا يلقى قبولاً أو يحقق قناعات راسخة لدى رجل الشاارع العادي قبل المختصين بأننا نسير بالاتجاه الصحيح!

 أسئلة عديدة نثيرها هنا برسم الإجابة عليها من قبل القائمين على رؤية البحرين 2050 قبل إطلاقها نهاية العام الجاري خاصةً واننا وعدنا ان تشرك جميع الأراء والمساهمات من قبل مختلف الاطراف اصحاب المصلحة في اطلاق الرؤية ومن بينهم السلطتين التنفيذية والتشريعية وقطاع الاعمال والنقابات والمجتمع المدني والتيارات السياسية المعنية، والتي يفترض أنها تضع تصوراتها استشرافاً وتشخيصاً لكافة التحديات الاقتصادية والتنموية والمعيشية لأكثر من ثلاثة عقود من الآن، واضعين في الاعتبار حجم التحديات وطبيعة الاقتصاد ومؤشرات التنمية التي نطمح لها والتحولات العالمية القادمة على مختلف الصعد، والتي نطمح أن نعالجها بحسّ وطني وعزيمة واصرار وصدق وشفافية تتجاوز  أحلامنا ورغباتنا المجردة التي دونها الكثير من المصاعب والتحديات، آخذين في الاعتبار أن طموحات شعب البحرين وقيادته السياسية وتياراته المجتمعية ومؤسساته الاقتصادية تتجاوز كثيراً ما هو مرسوم على الورق من رؤى،  وأن قدراتنا كشعبٍ وما نختزنه من آمال كفيلة بأن تحيل المستحيل أملاً وانجازات لا تتوقف إذا ما آمنا بالفعل بالإنسان البحريني أولاً، وسخرنا له الأدوات والإمكانيات والدعم الحقيقي مستفيدين من تجاربنا السابقة بما لها وعليها عبر وضع مؤشرات قياس حقيقية وأكثر مصداقية.