في حديثٍ دار بين مجموعة من الصديقات طرحن فيه سؤال “كيف يراهن الآخرون، الزوج، العائلة، الأبناء، الأخوة، زملاء العمل والمهنة؟، هل يُصنفًن كنساء طيّبات مستكينات أم شيطانات؟
قالت إحداهن: أنا أُعدّ نفسي إحدى شيطانات العائلة، إذ لا احد يجرؤ أن يدوس لي على طرف. قالت الثانية: أنا هادئة في أشياء وشرسة في أشياء أخرى، فثمّة أمور لا اتنازل عنها على الاطلاق. وأجابت الثالثة: دعنا نُعرّف الشيطنة أولاً. صحيح، من هي المرأة الشيطانة؟ ففي المجتمعات الذكورية ذات الطابع الاستبدادي والخاضع لمبدأ اللامساواة واللاتكافؤ بين الجنسين وبين الأقوياء والضعفاء جرى تصميم وصياغة القوانين لصالح الرجل، ووجدت المرأة نفسها في خانة الرضوخ والاستسلام، وقبول الأمر الواقع كي تسلم بنفسها ويقبلها المجتمع ويتعاطى معها وفق المناخ والأعراف والقوانين المعتادة السائدة، لم تفلت من هذه المعادلة إلا قليلات استطعن بميولهن الفطرية وشجاعتهن النادرة التحليق خارج هذا الإطار.
ولكن تلك حالات نادرة لم تكن لتشكل ظاهرة ولا يُعوّل عليها، بل إن “شطانتهن” كانت أمراً مستهجناً وباعثا على النفور، والغريب أن نفس التصرف إذا صدر عن رجل يراه الجميع تصرفاً رجولياً معتاداً، لكن حين يصدر عن امرأة توصف بأنها شيطانة، بيد أن التمكين الذي جرى للنساء في العقود والسنوات الاخيرة غيّر الاحوال، صارت “الشطانة” أمراً مألوفاً ومقبولاً، فالقوانين التي تساوي بين الطرفين في أغلب مجالات الحياة، والتعليم والمعارف والمهارات التي اكتسبتها النساء في الفضاءات المختلفة أصبح فيه من الصعب التحكم في المرأة واخضاعها والتلاعب بمصيرها وسلبها حقوقها وتجاوز رأيها وإرداتها.
صارت المرأة المستكينة التي تلجأ إلى الحيل والمكائد الخفية شيئاً من الماضي، إذ تتجلى شراسة النساء بوضوح وبشكل سافر في الدفاع عن مبادئهن وأُسرهن وازواجهن وابداعهن والمناصب المهنيّة التي بلغنها والمؤسسات التي أنشأئها أو شاركن في تأسيسها، والثروات التي حققنها بجهدهن وعرقهن. ولا ننسى أن “الشطانة” تولد وتتخلق وتبرز مع التحديات وسبر الصعاب والمجاهيل والمغامرة، وذلك ما أنتهجته النساء حين خرجن للعمل وخضن غمار التنافس فبرزت قوتهن في مجالات مهنية كانت مقتصرة على الرجال فحسب، الشيطانة هي التي تعرف الأرض التي تقف عليها وترصد مواضع قوّتها وتجتهد لتلافي نقاط ضعفها، هي التي تقرأ العقود والمواثيق التي تكون طرفاً فيها فتضع شروطها وحقوقها.
اكثر النساء لا يقرأن ما تتضمنه وثيقة الزواج على سبيل المثال لا الحصر إلا بعد الطلاق، أو وفاة الزوج فيجدن أنفسهن وقد خرجن من مولد الشراكة الأسرية خاليات الوفاض بلا إرث مادي أو عيني.
للكاتبة الامريكية كلاريسا بنكولا رأياً تقول فيه ضمن كتابها “نساء يركضن مع الذئاب”: إن المراة كانت ومنذ أزمان سحيقة مخلوقاً قويّاً وفاعلاً ومؤثراً في مسيرة البشرية، وقد عملت جنباً إلى جنب مع الرجل، ولا يقلّ تأثيرها وسطوتها عن أي كائن على الأرض. إنها، حسب الكاتبة، ذئبة شرسة جرى تدجينها وترويضها وتسكينها في قفص الخوف والخنوع، فطمست قواها كي تلائم متطلبات الزمن الذكوري وقيمه وقوانينه. إن المرأة المهضومة الحقوق المنتقصة الأداور في زمننا هذا هي المُغفلة “الغشيمة” – بوعي أو بدون وعي – التي تستيقظ وقد استغفلها زوجها أو أبيها أو أبناؤها أو زميلها في العمل أو شريكها في التجارة فسرق حقّها وإرثها وجهودها وأحياناً البيت الذي شيّدته مناصفة مع شريكها فذهب إلى غيرها. إن أغلب قضايا محاكم الشرع في بلدنا اليوم تدور حول هذه القضية.
إن المرأة الحرّة المستقلة غير المستعبدة، الممكنة ماليّأً ومهنياً ومعرفياً وقانونياً هي التي تتعاطى مع الحياة بوعي وإدراك واستباق لكل احتمالات المستقبل، هي “الشيطانة” ذات القوّة الأصلية الحقيقية والمتجذرة، وهو أمر إيجابي للمرأة وللمجتمع أيضاً،، وكيف لامرأة مستلبة الحقوق أن تربي جيلاً شجاعاً وممكناً؟
أما وصف المرأة بالطيبة والرقة والخجل والوداعة فإن هي إلا أوصاف مخاتلة ومراوغة للتلاعب بها وإخضاعها وتسييرها خارج إرادتها وحقوقها.
كنت وديعة، وكان لابد لي من التمرد على وداعتي كي افلا اصبح امّعة
Comments are closed.