الفساد السياسي في بلاد العرب

0
24

تختلف ماهية الفساد السياسي وتتعدد مظاهره بين بلد وآخر، إلا أنه وفي كل الأحوال فهو يعني فساد طبقة الساسة الحكام  وقادة الأحزاب والنخب الحاكمة، إيًّا كان موقعهم أو انتماءاتهم السياسية، حين يقوم هؤلاء بالتواطؤ باستغلال مواقع النفوذ السياسي لتوجيه القرارات والسياسات والتشريعات، لتحقيق مصالح خاصة بهذه الطبقة، أو أحد أطرافها أو الموالين لها، والإثراء غير المشروع من السلطة، أو الحصول على أموال غير قانونية لزيادة النفوذ المالي والاجتماعي، أو لتمويل حملاتهم الانتخابية، لتسهيل الحصول على الرشاوى وتشريعها، مقابل منح استخدام أو امتلاك أراضي الدولة أو عقود وامتيازات أو تراخيص أو موافقات تجارية، إذ تصبح الخزينة العامة حسابًا بنكيًّا خاصًا بهذه النخبة، بما يشمله من مغالاة في الصرف على أمور ترفيهية ذاتية، ترافقها كذلك عمليات تهريب للأموال العامة وبشكل سري إلى البنوك، أو استثمارات خارجية.

إن الدولة التي يتفشّى فيها الفساد السياسي يطلق عليها (دولة الحرامية) حيث يتم من خلال الفساد السياسي زيادة ثروة المسؤولين والنخب الحاكمة على حساب الشعب بأكمله، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال نهب المال العام.

ما ذكرناه مقدمة لدراسة عن الفساد السياسي في العالم العربي، نُشرت على موقع  المؤسسة الفلسطينية (الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة  أمان).

وما هو جدير الوقوف عنده تلك الرؤية التي تشير إلى، أنه في كثير من الأحيان تنجح النخب الفاسدة في السيطرة على مراكز إتخاذ القرار في معظم مؤسسات الدولة، بما فيها ضمان احتواء قرار الأغلبية البرلمانية، وتصويبه لصالحها، وتوجيه قرارات بعض القضاة أو مسؤولي أجهزة الرقابة العامة، وأحيانًا وصول الموالين لهم إلى مراكز أهم مؤسسات المجتمع العامة، بما فيها الإعلام والمؤسسات التمثيلية المهنية والجماهيرية. وتلتقي هذه المجموعات، وتتقارب وتتداخل مع بعض رموز وقيادات القطاع الخاص، هذا التشابك والتحالف وتبادل المصالح والمراكز بين نشطاء هذه الطبقة يمكّنها عمليًا من اختطاف مؤسسات الدولة، وهو ما يجعل عملية مقاومتها أو التصدي لها بهدف التغيير بالوسائل التقليدية أمرًا غير ذي جدوى.

وغالبًا ما تنجح هذه الطبقة في بناء القطاع الأمني وتشكيله على شكل أجهزة قوية، تدافع عن النظام الحاكم، وعن الموالين له باعتبارهم رمزًا للدولة، مقابل ضمانات وامتيازات لمسؤولي هذه الأجهزة ، وغالبًا ما ينخرط هؤلاء في إطار هذه الطبقة كشركاء أساسيين.

ويواكب الفساد السياسي غالبًا استخدام السلطة التعسفية للصلاحيات الممنوحة لأي طرف من أطراف النظام السياسي؛ لتحقيق أغراض ومصالح تختلف عن الغرض الذي على أساسه منح النظام هذه القوة، حيث يصبح نظامًا شموليًا، يسيطر على تفاصيل ومواقع صنع القرار السياسي والاقتصادي، ولا يخضع هذا النظام أو قراراته لأية مساءلة قانونية، أو مساءلة شعبية، أو رقابة خارجية، بسبب الحصانات وضعف البرلمانات ومسؤولي الرقابة أو القضاء بسبب التبعية الوظيفية، وبالتدريج يتحول إلى نظام سلطوي لا يحترم الفصل بين السلطات، حتى وإن حافظ على مظاهر النظام الديمقراطي، التي تغدو شكلية مثل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وغالبًا ما تصوغ دستورًا للدولة، يكرس سيطرتها على مقاليد الحكم في الدولة.

ويترتب على الفساد السياسي العديد من النتائج المدمرة، وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنها: تراجع دور الشعب ومشاركته في الشؤون العامة؛ وهو ما يؤدي بدوره إلى تراجع مفهوم المواطنة وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وتقلّص دور الطبقة الوسطى لصالح نخب حزبية أو عسكرية أو أمنية أو قطاع خاص أو ممثلي طوائف، فالفساد السياسي يؤدي إلى سيطرة مجموعة صغيرة على مختلف مناحي الحياة. ومن ثم تصبح المشاركة في الحياة العامة في ظل هذه المجوعة عملية زائفة؛ الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف شرعية النظام السياسي، وتقويض أسس الديمقراطية والحكم الرشيد، والنيل من سيادة القانون واستقلال القضاء، وتزييف الانتخابات وغياب الرقابة والمساءلة، وتشويه الجهاز الإداري للدولة نتيجة لاستبعاد الكفاءات، بسبب اعتماد الفئوية والطائفية والعائلية أساسًا للتعيينات الحكومية، لاسيما في الوظائف العليا.

كما يترتب على الفساد السياسي زيادة الفئات الفقيرة والمهمشة، وتغذية التطرف، وتراجع مستوى الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين؛ نتيجة السيطرة على المال العام ونهبه وتهريبه إلى الخارج من قبل فئة متنفذة تسيطر على مفاصل النظام السياسي.

إن الفساد السياسي يشكل تهديدًا للديمقراطية وحكم القانون، وتحديدًا في البلدان النامية التي تمر في مراحل انتقالية كالحالة العربية، إضافة إلى العديد من النتائج المدمرة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهو ما أسهم في تفجّر الحركات الاحتجاجية في العديد من الدول العربية.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي