عالمنا العربي في مهب الريح

0
39

ثمة أسئلة عديدة مكتومة ومعلنة، لازال يطرحها المتابع للمشهد السياسي العربي، وتحديداً منذ فجر السابع من اكتوبر الماضي، أي منذ قرابة العام تقريبا، جل تلك الأسئلة بكل أسف تترك إجاباتها معلقة ولا  تتم حتى ملامستها  أو مجرد محاولة الاقتراب منها، ربما خوفا من انكشاف حجم التراجع المذّل للمواقف العربية في مختلف الساحات والمحافل وعلى مختلف الصعد، إلا أن ذلك في حقيقته يكشف لنا بوضوح البون الشاسع بين طموحات ما نستطيع أن نطلق عليه مزاجا الشارع العربي بتشعباته وتعدديته من جهة، وتوجهات السياسات الرسمية العربية في غالبها  الأعم.

ولنتفق بداية أن ما أحدثه طوفان الأقصى  منذ السابع من اكتوبر، من زلزال مدو لا زالت تداعياته تفرض نفسها بقوة على كامل  المشهد السياسي العربي، والى حد كبير المشهد السياسي في العالم بأسره، حيث تتراجع تداعيات الحرب الاوكرانية الروسية ويتوقف الحديث ولو مؤقتا، عن متابعة حالة الصراع هناك، ويخفت الحديث قليلا عن متابعة حالة الصراع المحتدمة بين الصين كقوة اقتصادية كبرى في قبالة طموحات الولايات المتحدة والغرب بإيقافها أو إعاقتها على اقل تقدير، فيما تتربص روسيا والهند وبقية دول مجموعة البريكس كقوى صاعدة تمتلك من التطلعات الكثير باتجاه تعزيز حضور التعددية القطبية، الذي بات تطلعاً مشروعاً بالنسبة لشعوب دول العالم للجم وتحجيم هيمنة الإمبريالية الأميركية واحتكاراتها وأدواتها والدول التابعة لها على مقدرات عالمنا الذي اصبح بحق ساحة كبرى من الصراعات والمؤامرات المتوالدة، والتي أضحى بسببها عالمنا على حافة حرب كونية ثالثة يعتقد الكثير من المراقبين أننا بتنا اقرب اليها من أي وقت مضى.

 وفيما يتلاشى الحديث تدريجياً عن دور أكبر للأمم المتحدة وتغيب قضايا المناخ واهداف التنمية المستدامة والتزامات دول العالم تجاه ما سبق وتوافقت عليه أو التزمت به من معاهدات ومواثيق، يبقى عالمنا العربي وحده الاستثناء المهمش تقريبا على الرغم مما نمتلكه من إمكانيات وموارد وثروات بشرية ومادية ضخمة، وموقع جيوسياسي مميز، علاوة على أنه لازال متموضعاً في قلب الصراع العالمي المحتدم حالياً وربما بسبب كل ذلك! وهو موقع يفترض ان يؤهله للعب دور أكبر في خارطة السياسة الدولية، إلا انه يبقى وكأنه خارج السياق والاهتمام والتأثير.  

نتفهم جيدا أننا وبفعل ما جرى لنا كأمة عربية وما جرى للعالم كذلك، من تحولات كبرى خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، على الأقل، حيث الكوارث والحروب والمؤامرات والتدخلات، والتغيرات في موازين القوى العالمية التي غيّرت كثيراً بكل تأكيد من طبيعة ونوعية الصراع المحتدم في المنطقة تحديدا وفي العالم من حولنا، والذي لم يتوقف يوما، وان تراجعت بؤر وتموجات قوته تبعا لما تفرضه مصالح واستراتيجيات القوى المتصارعة من حولنا.

في خضم كل ذلك يبقى المشهد العربي الرسمي خارج دائرة الفعل الإيجابي بشكل مقنع أو حتى براجماتي على الأقل بالنسبة للمتابع العربي.  خجولة هي تلك البيانات والتصريحات الصادرة عن القمم والاجتماعات الرسمية العربية، وما اكثرها!  وهي في كل الحالات لم تعد مقنعة أبدا في قبالة ضراوة حدة الصراع القائمة، في حين تسود حالة مكبوتة من الغضب الشعبي حيال ما يجري في غزة من مجازر بشعة وابادة جماعية لم تتوقف على مدار عام حتى الآن، فيما يعيث الصهاينة وآلة حربهم المدعومة علنا وبقوة من قبل الإمبريالية الاميركية ودول الناتو، يعيثون فسادا وتدميرا للحجر والبشر وتمتد اياديهم المجرمة لبقية مدن وقرى الضفة الغربية غير مكترثين بحجم الدم الفلسطيني المسفوك او حتى لاتفاقيات والتزامات دولية هي بمثابة حبر على ورق!  فها هم يعدون العدة لتدمير جديد للبنان الجريح الممزق المنقسم بفعل تدخلاتهم المقيتة فيما يسرق النفط السوري ويتم الاستناد لقوى وتيارات مصطنعة مثل داعش واخواتها للإجهاز على ما تبقى لعالمنا العربي ودولنا من كرامة وسيادة.

وفي ظلّ ما يجري من حولنا وما ينتاب عالمنا الأوسع من مخاوف حقيقية، وفي أوقات عصيبة يعيشها شعبانا الفلسطيني واللبناني، هل يكفي أن يبقى الجانب الرسمي العربي متفرجا دون اكتراث، وهل يكفي أن يتم تجاهل القلق الحقيقي الذي بات يهدد ليس الشعب الفلسطيني أو اللبناني وحدهما،  بل هو يهدد كامل هويتنا وسيادتنا وكرامتنا العربية والإنسانية معا، فبؤر الدمار المشتعلة في منطقتنا لن تستمر إلى الأبد، لكنها تبقى مسؤولية الأنظمة العربية مجتمعة وفرادى في الحفاظ على ما تبقى لهذه الأمة  من كرامة واحترام، ولنتعظ جيداً بما تقوم به دولة مثل جنوب أفريقيا من دور بارز لتحقيق العدالة على مستوى العالم، والذي اكسبها احترام شعوب العالم بفضح جرائم الإبادة الجماعية التي يقوم بها الصهاينة واعوانهم ضد شعبنا المقاوم في غزة وحاليا ضد شعبنا اللبناني  الصامد وما يجري من مؤامرات ضد الشعب السوداني  وما ينتظر دولا مثل مصر والعراق واليمن من مؤامرات تطبخ على نار  تبدو هادئة احيانا ومشتعلة أحايين أخرى، والتي تعدنا جميعا أنظمة وشعوبا بمآلات المثل المأثور..أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا