في الخامس والعشرين من أكتوبر عام 1917، السابع من نوفمبر، بالتقويم الروسي، تمرّ الذكرى المائة والسابعة والعشرون لانتصار الثورة البلشفية بقيادة فلاديمير ايلتش لينين وسقوط النظام القيصري، في بلد زراعي لم يتوقع قيامها في تلك البلاد ماركس وأنجلز، كان توقعهما بأن تنتصر الثورة وتحديداً الثورة الاشتراكية، في بلد صناعي متقدم مثل إنجلترا أو ألمانيا، فرنسا، إيطاليا. انتصار الثورة في روسيا، جاء بعبقرية لينين الذي حدَّد ساعة الانطلاقة للاستيلاء على السلطة، الفرصة التاريخية أو اللحظة الثورية، التي لا يصح تفويتها، للانقاض على السلطة، من خلال قراءة التاريخ والثورات وكيفية الاستفادة من التجارب والخبرات في العالم.
كان لينين مفكراً وقائداً وملهماً للثوار البلاشفة لهذا استطاع قيادتهم وتأمين انتصارهم، بالأخص عندما قضى على القوى المضادة للثورة وسيطر البلاشفة على الحكم في روسيا في عام 1917، بالرغم من محاصرة القوى الإمبريالية لروسيا الثورة الاشتراكية، كان عليها الصمود والتصدي للقوى المعادية التي تجمعت ووحدت صفوفها للهجوم عليها بدعم الدول الإمبريالية، ومن جهة أخرى عليها مهمة القيام ببناء أسس الاشتراكية في بلد زراعي متخلف.
الثورة التي هزّت العالم في القرن العشرين، وانبثاق نظام عالمي جديد، مغايراً للنظام الرأسمالي السائد، الذي كان متسلطاً على رقاب الشعوب والبلدان من خلال احتلاله للعديد من البلدان في القارات الخمس، فتوجهت أنظار الشعوب التواقة للحرية والاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي نحو الثورة الاشتراكية في روسيا، من أجل دحر سيطرة المستعمرين على بلدانهم وإقامة أنظمة سياسية وطنية تنعم شعوبها بخيراتها وثرواتها، لهذا كانت الثورة البلشفية وفيما بعد الاتحاد السوفياتي بعد أن تأسس في عام 1922، داعماً ومؤيداً لنضالات تلك الشعوب، بالرغم من الحصار المفروض عليه من قبل القوى الإمبريالية وهو في بداية تشكيله وعليه مهام كبيرة يتطلب القيام بها من أجل شعوبه وجمهورياته.
كان لينين يدرك تلك المخاطر المحدقة بالاتحاد السوفياتي والنظام الاشتراكي الأول في العالم، لهذا ركَّز على بناء النظام الاشتراكي وترسيخ مقوماته لكي ينهض بدوره المطلوب، ويتجاوز الصعاب والتغلب على النواقص والثغرات من أجل بناء النظام الاشتراكي في روسيا بقيادة الحزب الشيوعي السوفياتي، فبعد وفاة الزعيم الكبير لينين في عام 1924، أصبح جوزيف ستالين، الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي ورئيس الاتحاد السوفياتي، وهو يختلف عن لينين، في ظل حكمه حدث الكثير من الأخطاء والتجازوات دفع ثمنها كوادر وأعضاء مخلصون في الحزب الشيوعي والاتحاد السوفياتي.
.
ولكن يحسب لستالين بأنه قاد الاتحاد السوفياتي إلى الانتصار الكبير على الجيوش النازية الألمانية ودحرها في عقر دارها برلين، بعد أن قدمت شعوب الاتحاد السوفياتي حوالي 28 مليون شهيد من أصل 54 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية 1939/1945، لدول الحلفاء، وبعد القضاء على النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكرية اليابانية، برزت دول المنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، وبرز الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى، وقائداً لتلك الدول، وطوال وجودها قدّم لها الاتحاد السوفياتي كل أنواع الدعم، وكذلك إلى الدول التي نالت استقلالها الوطني من المستعمرين في القارات الخمس، ولكن المؤامرات التي كانت تحاك ضده من قبل الإمبريالية الأمريكية والعالمية لم تتوقف طوال فترة وجوده، مستفيدة من الأخطاء في الحزب وفي أجهزة الدولة البيروقراطية المترهلة، استفادت القوى المعادية للاتحاد السوفياتي من وجود العناصر الانتهازية والوصولية في قيادة الحزب والدولة، لتنفذ مخططها لإنهاء الاتحاد السوفياتي والتخلص من نظامه الاشتراكي، حيث قدَّم الرئيس السابق يلتسين وعصابته وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية أفضل هدية لها بحل الاتحاد السوفياتي، تلك الدولة العظيمة التي ساعدت شعوب وبلدان العالم الثالث، بما في ذلك العديد من الدول العربية، حيث كان الاتحاد السوفياتي صديقاً لشعوبنا وبلداننا العربية ولا يتردد في تقديم الدعم المادي والعسكري لها.
بانهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، أصبح العالم أحادي القطب تتحكم فيه قوة واحدة هي الإمبريالية الأمريكية التي تشترك اليوم مع الكيان الصهيوني في الإبادة الجماعية للشعبين الفلسطيني واللبناني، ولا توجد قوة في العالم اليوم تمنع هذا الكيان من الاستمرار في مجازره الدموية، فالرهان على المقاومة الفلسطينية واللبنانية وثباتها وصمودها في وقف إطلاق النار ودحر المحتلين الصهاينة .
انهيار الاتحاد السوفياتي لايعني نهاية التاريخ مثلما روَّج له المفكرون في أوروبا وأمريكا، فالأفكار لا تموت، وإنْ أصاب الوهن والانكسار بعض الماركسين عرباً وأجانبَ وبدؤُوا يهرولون نحو الأفكار الليبرالية ويدافعون عنها، فالمنهج الاشتراكي قائم على العلم والمعرفة ومن خلالهما يتطور ويتقدم نحو المستقبل، نحو العدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية.