من الضروري أن نتفهم معنى الحرية، كما أن علينا أن نتعرف على من يسيئ استخدامها، حيث يحلو للبعض انتهاك الحريات باسم الحرية، فهناك الكثير ممن لا يؤمنوا أساساً بحرية اختيار الآخر لما يؤمن به من أفكار ومبادئ، رغم أنهم يتغنون بالحرية لكي لا يكون محاصرين بين من يؤمنون بالحرية، ولكونهم مفلسين فكرياً في مقارعة الحجة بالحجة سرعان ما يتبين بأن مفهومهم للحرية رجعياً وضحلاً، يلجؤون لحرق كل من يختلف معهم اجتماعياً وايديولوجياً، حيث أن فهمهم للحرية فهماً سطحياً ينساقون وراء إعلام مضلل كونهم لا يتمتعون بالمفهوم السياسي والاجتماعي ولا يعيرون أهمية وضرورة للتكاتف والتكافل الاجتماعي بين كل أطياف الوطن الواحد، مصرّين على أحقيتهم في التحكم بأمور المجتمع لأنهم يمتلكون عقيدة تستطيع فهم إدارة دفة الأمور اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً في الوطن.
إن هذا السلوك ما هو الا تعصباً وانفراداً في التصرف، حيث اصرارهم على التشريع المخالف للأسس الديمقراطية وعدم احترام رؤية الطيف الآخر الذين يشاركونهم في الوطن، حيث المصير المشترك الواحد.
من هنا نقول إن هذا التصرف يدفع في اتجاه معاكس، حيث يدخل الجميع في نفق مظلم وإنها “حرية” لا تنسجم مع مبادئ الحريات التي تجعل الشعوب مستمرة في العيش في براثن البطالة والعوز والنهب والاستغلال والمرض والفقر والجهل والتخلف وتفكك النسيج الاجتماعي، وهذا ما نعيشه اليوم.
ألا يكفي معاناتنا من جشع يومي وانتزاع حقوقنا وهروب الكثير من أبناء شعبنا حتى دخلنا في نفق الاضطهاد والخوف من المستقبل، حيث لا نعلم إلى متى سنعيش في هذه الدوامة من القسوة التي وصلت استنزاف خيرات المواطن من قبل الأجانب بشاكلتها الرديئة إلى خارج الوطن مستنزفين ثروات وطاقا الشعب.
يحتم علينا أن نمهد أرضية صلبة للأجيال القادمة ونجعل من مدّنا الثقافي عنواناً يمهد ويسهل الطريق لهم لكي يشقوا حياتهم المستقبلية مهما بلغت الصعوبات، لأن هناك من يضع العراقيل وبذلك يدفعهم إلى هاوية اليأس، كما يدفعهم إلى براثن الجهل والجريمة والعدوانية والتيه في طرقٍ مجهولة تحث على مستقبل غامض محمل بالمخاطر. إن شبابنا اليوم يعيش انتكاسة لا يتحملها حتى آبائهم، وبنقدنا هذا لسنا متطرفين، نحترم مبادئ الآخرين ولو اختلفنا معهم، لدينا تاريخ مشترك فالوطن يسع الجميع، كلمة دائماً نرددها.
بتماسكنا والالتزام بالحكمة نزداد قوة وصلابة ووثوقاً وحنكة وسداداً للرؤى في سفينةٍ تمخر عباب بحرٍ متلاطم الأمواج يركبها الجميع فحذاراً. من الخطأ أن تتصدى فئة باختلافٍ دون إعطاء مبرر للاختلاف مع الآخر، لأننا بإيماننا في استمرار صراعنا الحتمي في استنفار وتحفز دائم لأي حدث.
إن خطبهم الرنانة التي تعزف على الوتر الحساس والتشويه والتشويش التي لا ترفع من معنويات المواطن ولا تصب في التآلف والالتفات للمحن التي نعيشها، ولهذا علينا أن نستثمر مجالسنا ومنابرنا لأجل إنضاج وضع يرفع معنويات المواطن المحبط واليائس المتخبط ليعيش بأمان وانتشاله من وضع متوترٍ قاسٍ مؤلم، يعاني منه معظم المواطنين بكافة أطيافه.
دوماً نقول ونصر على التقدم والازدهار ورفع الهموم عن كاهل شعبنا وهذا لا يتحقق إلا بتضافر الجهود من قبل الجميع. الشعوب هي ضحية اضطهاد، لهذا دائماً يساورها القلق، يجب أن نكون عوناً لها، علينا ألا نحشرها في متاهات هي في غنى عنها.
على كل من يحبّ شعبه ألا يدفعه نحو الهاوية، عليه أن يمكن الشبيبة من تلقي العلم والمعرفة، وهذه مهمة تحتاج إلى الجدية والصدقية والمثابرة لبناء أجيال جادة، نصقل في افرادها روح المحبة والألفة ونبعدهم عن الانزلاقات، حيث الاندفاع نحو المجهول والتهور والتطرف، نزرع فيهم شحذ الهمم لكيلا يسقطوا في حبائل الطائفية المقيتة التي يزرعها البعض في نفوسهم البريئة العفوية، ندفع فيهم حب الوطن والمواطن ونيل العلم.
إن بناء الأجيال هي من مسؤوليتنا، وذلك لدفعهم نحو آمال مستقبلهم ليحققوا حلمهم وحلم آباءهم بوطن مزدهر بحب الجميع خالٍ من الفساد والمحسوبية.
إننا كتوجه نقرأ الأحداث اليومية ونضع نقاط رؤانا.. نتفحص الأمور ونبحر نحو البناء بصدقٍ وجدية ونحاول مع الآخرين الجادين الحالمين بوطن يسع الجميع، كما نسعى دوماً لحوار خلاّق، وذلك للحيلولة لإيجاد مخرج لهذا الواقع المرير الذي أصبح عبئاً على كل الشعوب في سبيل السمو والنهضة للوطن والانسان المنهك، وكلنا أملُ في إنجاح مسيرتنا هذه بالتوفيق.