يهدف النظام الدولي إلى تنظيم العلاقات بين الدول من خلال القوانين، والاتفاقيات، والمعاهدات، بهدف تعزيز الاستقرار والسلام. ومع ذلك، تظهر باستمرار ممارسات تتعارض مع هذا النظام، حيث بدا وكأن القواعد لم تعد تُحترم، وتم استبدالها بمنطق القوة والصراع. هذه الحالة يمكن تعريفها بـ ”لغة الغاب” في النظام الدولي، وهي تعبير يعكس فوضى النظام وسيطرة منطق القوة والعنف بدلاً من التعاون والسلام.
“لغة الغاب” مصطلح مجازي يشير إلى قانون الطبيعة الذي يقوم على مبدأ البقاء للأقوى، حيث يتم تجاوز المبادئ الأخلاقية والقانونية لصالح الهيمنة والصراع. في سياق النظام الدولي، تُستخدم هذه العبارة لوصف حالة من الاضطراب والفوضى، حيث تتجاهل الدول القوانين الدولية وتسعى لتحقيق مصالحها بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك العنف، الحروب، والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان.
لسيطرة لغة الغاب في النظام الدولي مظاهر عديدة، من أهمها، التدخلات العسكرية الأحادية، حيث يشهد النظام الدولي العديد من التدخلات العسكرية التي تتم بدون تفويض من مجلس الأمن أو بدون مبرر قانوني. هذه التدخلات غالبًا ما تكون بذريعة حماية الأمن القومي أو مصالح استراتيجية. وتبرز “لغة الغاب” في هذه الحالات، حيث تستخدم الدول القوية قوتها العسكرية لتحقيق أهدافها على حساب السيادة الوطنية للدول الأخرى.
أيضًا من مظاهر لغة الغاب في النظام الدولي استخدام بعض الدول قوتها الاقتصادية لفرض إرادتها على الدول الأخرى، عبر العقوبات الاقتصادية أو التهديدات بالتدخل. مثل هذه الممارسات تعكس مبدأ “لغة الغاب”، حيث تتحكم الدول القوية في مصائر الدول الأضعف عبر أدوات ضغط غير مباشرة.
أكثر ما يتجلى مبدأ “لغة الغاب” الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية دون رادع حقيقي. فالدول التي تنتهك حقوق الإنسان-كإسرائيل ومن يدعمها من المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية- غالبًا ما تفعل ذلك دون أن تواجه عواقب، بسبب ضعف الإرادة الدولية في تطبيق القانون، أو في غياب توازن القوى على مستوى النظام الدولي. يتضح ذلك في تهميش المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، وإضعاف دورها في حل النزاعات. ففي كثير من الأحيان، يتم تجاوز قرارات هذه المؤسسات أو تجاهلها بالكامل، مما يُضعف من هيبتها ويزيد من فوضوية النظام الدولي.
هذا النظام الدولي القائم على لغة الغاب، له نتائج وخيمه على الدول والشعوب، لا سيما الضعيفة منها. أولها زيادة في النزاعات والحروب، سواء كانت حروبًا تقليدية أو حروبًا بالوكالة، مما يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار العالمي ومعاناة شعوب عديدة. فالسياسات التي تقوم على منطق القوة البربرية تفاقم الأزمات الإنسانية، بما في ذلك النزوح، الفقر، وانتشار الأمراض، وقبل ذلك آلاف القتلى والجرحى. والدول الضعيفة عسكريا، هي من تدفع الثمن باهضًا لغطرسة الدول الكبرى.
سيطرة “لغة الغاب” على النظام الدولي، يساهم بقوة في إضعاف الثقة في المؤسسات الدولية وإمكانية تحقيق العدالة والسلام، مما يؤدي إلى زيادة الانقسام بين الدول وتآكل التعاون الدولي، وطغيان الدول الكبرى على الدول الصغرى عسكريًا واقتصاديًا، كما أنها مشكلة معقدة ومتعددة الأبعاد، تتطلب استجابة شاملة تعالج الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، فبدون التزام دولي جماعي بإعادة هيكلة النظام وتعزيز سيادة القانون، سيظل العالم عرضة للفوضى والصراع، وستبقى القيم والمبادئ التي بُني عليها النظام الدولي مهددة بالانهيار.