التنوع في إطار الوحدة هو أحد المفاهيم الاساسية الذي يفسر عمل مبدأ المركزية الديمقراطية الذي يعتمده التقدمي كأساس له في بناءه وعمله التنظيمي. وهذا ما نصت عليه المادة 4/6 من الفصل الثاني من النظام الأساسي المعنون بالمبادئ التنظيمية للتقدمي حيث جاء فيها بأن مفهوم التنوع في إطار الوحدة وتكريس حرية التفكير والاجتهاد والاحترام المتبادل للآراء، وحفظ حق الأعضاء بإيصال وجهات نظرهم في التقدمي هو أحد الأحكام الاساسية التي يقوم عليها مبدأ المركزية الديمقراطية.
والتنوع في إطار الوحدة هي علاقة بين مفهومين متكاملين لا ينفصمان بعضهم عن بعض، وهما مفهومي التنوع والوحدة او كما تفسر هذه العلاقة بـ “الوحدة بدون توحيد والتنوع بدون تفتيت” ويشار إلى هذا المصطلح كتعبير عن الانسجام عندما تعود الأشياء إلى وحدتها الاساسية بالرغم من تنوعها.
ومبدأ التنوع في إطار الوحدة يقوم اساس على الاعتراف بوجود اختلافات وفروقات بين الناس والأفراد وهي ظاهرة طبيعية وسليمة يجب احترامها وعدم محاربتها او الغائها. بل على العكس يجب تشجيع حرية التفكير والاجتهاد ووجود الرأي والرأي الاخر والطريق الوحيد لتلمس الحقيقة وترسخها في أدهان الجميع وترسيخ الديمقراطية كأسلوب ومنهجاً للتقدمي في حياته الداخلية.
إن من مصلحة الوحدة وبقائها المحافظة على الاختلاف والتنوع لأن في بقائهما يكون الاغتناء والإثراء وفي غيابهما يكون التنازع والافتقار والتماهي مع الآخر فلا يكون هناك وجود إلا للصوت الواحد والرأي الواحد، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الجمود والتفتت وتهاوي الوحدة. إن الخوف والخشية من الاختلاف والتنوع في الآراء هو امر غير صحي.
إذا كان هذا هو أهمية الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة في حياة التنظيم فما هي الآلية التي تنظم هذا الاختلاف وهذا التنوع؟ والجواب هو هنا يجب التفريق بين مرحلتين مرحلة اولى يسبق فيها اتخاد القرار سواء كان بالأجماع او بالأكثرية وفي هذه المرحلة ليس هناك برايي حد لهذا الاختلاف و لهذا التنوع والاجتهاد في الآراء وفي وجهات النظر فهذا شيء ايجابي ومطلوب من اجل تحقيق الوضوح ورفع مستوى الفهم وتعميقه والاستماع الى جميع الآراء والتصورات حول الموضوع مهما كانت متباعدة، ولكن بعد اتخاد القرار تعتبر الوحدة الصارمة في العمل ضرورية للغاية.
ومع هذا فإنه حتى بعد صدور القرار لا يمنع المختلف او الاقلية مع التزامهم بالقرار من ان يطلبوا بحث الموضوع مجدداً سواء في ذات الهيئة أو في هيئة أعلى أو طرحه في المؤتمر ولكن لا يجوز طرحه في خارج هيئات التنظيم وهذا ما نصت علية المادة 4/4 من النظام الأساسي للمنبر التقدمي.
ولكن هل من الممكن ان يكون التنوع والاختلاف أمر مطلقاً ومن دون اي ضوابط أو محددات والجواب من وجهة نظري هو أن يكون هذا التنوع والاختلاف محكوماً بشرطين أساسيين، أولهما ضرورة احترام هوية التنظيم بمعنى أن لا يخرج التنوع والاختلاف على سياسه التنظيم و منطلقاته الفكرية والسياسية التي تبينها وثائقه و ترسمها مؤتمراته.
وبالنسبة للمنبر التقدمي فإن هويته كما حددتها وثائقه أنه امتداد تاريخي سياسي وفكري لجبهة التحرير الوطني البحرانية، وهو “تنظيم سياسي حزبي يتبنى المنهج العلمي المادي الجدلي والتاريخي في تحليل الواقع وفهمه، ويستلهم كل منجزات العلوم والتراث العربي الإسلامي والإنساني التقدمي وأفكار التنوير والحداثة والتقدم”، ويتسع لجميع المواطنين من النساء والرجال دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو المعتقد الديني الساعين لبناء المجتمع الديمقراطي التعددي والدولة القائمة على قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، والنهوض بالأوضاع المعيشية لجماهير الشعب الكادح وتأمين متطلبات العيش الحر الكريم “.
إذن هذه هي هوية التقدمي التي ينبغي أن يمارس الاختلاف والتنوع في إطارها ولا يخرج عنها. ومع ذلك فإن هذا لا يعني بأن مسالة الهوية وما يترتب عليها من أثار هي أمر خارج عن الحوار وإبداء حولها الآراء والتصورات المختلفة، بل على العكس فالهوية هي الأساس الذي يشكل الصورة الذهنية للتنظيم سواء الصورة الداخلية عند أعضائه وأصدقائه أم الصورة الخارجية عند الجمهور، والذي يستقي معلوماته عن التنظيم مما يقرأه أو يسمع عنه.
وبغض النظر عما إذا كانت هذه الصورة صحيحة ام خاطئة فإنها تُعد واقعاً لا يمكن تجاهله وتشكل جزء من هوية التنظيم. والهوية هي ليست بالشيء الجامد وإنما هي شيء يتغير ويتطور، وما يقدمه التنظيم من برامج وسياسات هو الذي يدعم هذه الصورة أو يغيرها لدى الجمهور. ولذلك فإن صورة التنظيم تشكل دائماً هاجساً لديه من أجل البقاء والتميّز، ولذلك فهي تكون محل بحث ومتابعة لتظل الصورة عن التنظيم دائماً ايجابية.
أما الشرط الثاني الذي يجب أن يحكم التنوع والاختلاف هو أن يحافظ هذا الاختلاف والتنوع على آداب الاختلاف، أي احترام الرأي والرأي الآخر، ويكون سبيله إلى الاقناع هو بالدليل والمنطق والحجة وليس بالعصبية والتنازع، ويجب ألا يتحول هذا الاختلاف إلى خلاف يقود إلى التفرق والتنازع والتشتت.
واخيراً فإن مفهوم التنوع في إطار الوحدة هو مبدأ مهم وصحي في الممارسة الديمقراطية وفي ترسيخ الوحدة والانسجام داخل التنظيم ويجب احترامه والدفاع عنه وتهيئة الظروف والأجواء الملائمة التي تسمح بتفعيله في حياتنا الداخلية في المنبر التقدمي، لأن غياب النزعة النقدية في عملنا هو أمر غير صحي. وفي ذات الوقت يجب أن يمارس هذا النقد وهذا الاختلاف بمسئولية، ففي الوقت الذي يجب أن نحرص فيه على المحافظة على حرية التفكير والاجتهاد وتنوع الآراء فإننا يجب ايضاَ أن نحرص على المحافظة على وحدة التنظيم وتماسكه وقدرته على القيام بدوره وأداء مهامه.