تستيقظ من نومك القلق، وقبل أن تفتح الأنوار تهرع إلى هاتفك مثل واجب يومي اضطراري.
تتصفح الأخبار بحثاً عن خبر انتصار أو دلائل عليه، لكنك تجد أخبار الموت والدمار تفوق ذلك بكثير.
تغلق هاتفك وتبدأ يومك بتنهيدة تجعلك لا تلتفت إلا لغيرك؛ لأن كل ما تعانيه أو ستعانيه لا يشكل قطرة في بحر هؤلاء الثكالى والمتضررين في دول اعتادت الحروب حتى ظنتها جزءاً من الواقع الطبيعي.
تفكر: ما الذي يحدث لعالم بات فيه المظلوم لا يُرى وكأنه يرتدي “طاقية الإخفاء”؟
كيف انتهينا إلى رؤية الموتى بكل هذا الدم البارد وكأنه أمر معتاد؟
الأطفال الذين لا يمتلكون كسرة خبز، بعد أن هُجّروا من بيوتهم الآمنة وصاروا يفترشون العراء أو أولئك الذين يسيرون بلا هدى ولا رفيق بعد أن قُتل آباؤهم وصاروا كورقة تصارع قسوة الخريف خشية أن تسقط هي الأخرى.
الكهل الذي لا يجد ابناً يسند جسده المرهق عليه كلما فكر في مشي أو قضاء حاجة أو هرب من عدو.
المرأة الحبلى التي لا تجد أدوية تقيها التعب ولا طعام يوفر لها ولجنينها احتياجاتهما وتفكر في اليوم عشرات المرات عن مصيرهما حين تحين الولادة، فلا مستشفيات صالحة ولا مكان آمن ولا مواد طبية متوفرة ولا حتى ماء غير ملوث.
الأب الذي يرى في كل الأطفال وجه أطفاله الذين قتلوا أو ربما أحرقوا أحياء ولم يعد يستطيع سماع كلمة بابا.
الشاب الذي يحمل حقيبة كتبه أينما رحل أملا في أن تعود جامعته يوماً ما ويستطيع تحقيق حلمه في أن يصبح طبيباً يعالج كل المرضى والمجروحين ممن لم يتسن لهم الحصول على علاج مناسب.
الطفلة التي مازالت تحلم بدُماها التي دُفِنَت تحت الأنقاض بعد أن هُدم بيتها وبيوت جيرانها.
البلاد التي نهبت وهدمت آثارها وسرقت حضارتها وزور تاريخها.
تتذكر أن أضعف الإيمان هو الدعاء، فتصلي وترجو من الله رحمة وفرجاً عاجلاً، وقبل أن تقول آمين، تتنهد بعمق وكأن الأحلام باتت بعيدة المنال برغم وجود الأمل.
تعود ليومك وحياتك، لتتذكر أنك هنا في البلاد الآمنة بين أهلك وذويك منعماً بالخير، فتشعر بالخجل وكأنك ترتكب خيانة لكل هذه الشعوب.
ترى هل في فرحنا المؤقت وتناولنا لوجبة طعام فاخرة خيانة لكل القابعين تحت ضروس الحرب؟ سؤال لا نبتغي له جواباً فقد ألفنا تناقضاته.