لم يعد متيسراً للرأي العام ولوسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني المعنيّة، الإطلاع على مضمون التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية والإدارية كما كان عليه الحال قبل سنوات، فاليوم يجري الاكتفاء بنشر ملخصٍ لمحتويات التقرير لا نعلم ما هي المعايير التي تُتبع في اختيارها دون غيرها، وفي هذا “الانتقاء” لما يُنشر في الملخص من ملاحظات أو تجاوزات أو مخالفات سجّلها التقرير، تغييبٌ للشفافية المطلوبة في وضع الأداء الحكومي تحت المجهر، وهي الغاية المنشودة من تشكيل ديوان الرقابة ومن التقارير السنوية التي يصدرها، لكي تشعر الأجهزة الحكوميّة أنّها مساءلة أمام الرأي العام وأمام القانون عما ترتكبه من أخطاء أو تجاوزات.
ولم نسمع أو نقرأ، حتى اللحظة، سواء عندما كان التقرير يُنشر كاملاً أو بعدما أصبح يجري الاكتفاء بملخص له، عن إحالة أيّ وزير أو مسؤول إداري كبير عن المخالفات أو التجاوزات التي تمّ رصدها في الوزراة أو الجهة المعنية التي يرأسها، أو إعفاءه من منصبه لهذا السبب، لذا لم يعد هؤلاء المسؤولون أنفسهم يأبهون بالتقرير وبما يتضمنه من تسجيلً لمخالفات شابت أدائهم، لأنّهم مطمنئون أنّه ما من جهة ستحاسبهم على ذلك، ما يجعل من الصحيح القول إنّ التقرير، بالنسبة إليهم، مجرد حبر على ورق، سينُسى بعد أيام من صدوره، خاصة في ظل تغييب المجتمع المدني عن مناقشة التقرير وتسليط الضوء على ما رصده من مخالفات، بعد أن أصبح المنشور منه مجرد ملخص انتقي بعناية، ناهيك عن القيود المفروضة على الكثير من هذه المؤسسات في الخوض في الشأن العام بحجة أنّها ليست جمعيات سياسية.
وكما قيل في السنوات الماضية غداة صدور التقرير نفسه في كلّ سنة، سنلاحظ أنّ الكثير من التجاوزات والمخالفات المالية والإدارية في الوزارات والجهات الحكوميّة، تظلّ هي نفسها وتتكرر، ما يشير إلى أنّه لا رغبة حقيقيّة وجادة في معالجة الأمر، في ظلّ غياب أدوات المساءلة المطلوبة، إدارياً وقضائياً وبرلمانياً، ولو عقدنا مقارنة بين التلقي السابق في المجتمع للتقرير، والتلقي الراهن سنجد تراجعاً في الحماس إزاء ما يتضمنه، يصل حدّ اللامبالاة، رغم أهميّة مضمونه، بسبب الشعور بأنّ الأمر تحوّل إلى مظهر شكلي، لا أثر له في الواقع، وبمرور السنوات ينأى ديوان الرقابة بتقريره السنوي عن الآمال المعقودة عليه من المجتمع المدني والناس.