تتسارع الأحداث في المنطقة وتحديداً في غالبية بلاد الشام (سوريا، لبنان، فلسطين)، فمنذ حوالي خمسة عشر شهراً يستمر العدوان والقتل الصهيوني وصور الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في واحدة من أفظع المجازر دموية في القرن الحادي والعشرين، حيث قُتِلَ أكثر من خمسين ألف فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء وتجاوزت أعداد الجرحى مائة ألف، فضلاً عن آلاف المعتقلين، وتمَّ تدمير البنية التحتية فلم يسلم لا الحجر ولا الشجر في قطاع غزة، والعالم يتفرج على تلك المذبحة الدموية ولا يحرك ساكناً لوقفها.
وفي لبنان وتحديداً في السابع والعشرين من نوفمبر 2024، توقَّف إطلاق النار بعد اتفاق بين الدولة اللبنانية والكيان الصهيوني بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية، فبعد قتل أكثر من أربعة آلاف، وآلاف الجرحى، وفقد حزب الله أمينه العام حسن نصرالله والعشرات من أبرز قادته العسكريين والمئات من شهداء المقاومة منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة في 8 أكتوبر 2023، اضافة إلى تدمير العديد من المباني في الضاحية الجنوبية ببيروت، وقرى الجنوب والبقاع وبعلبك والهرمل وغيرها من مناطق لبنانية أصابها العدوان الصهيوني، وبعد صمود المقاومة في الجنوب اللبناني وإطلاق مئات الصواريخ على المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة وتل أبيب وحيفا وبعض البلدات الصهيونية، مما سرَّع من توقيع الاتفاق، ولكن الخروقات الصهيونية لازالت مستمرة على القرى اللبنانية في الجنوب اللبناني .
الحدث الأهم هو سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر 2024 ، بعد انهيار جيشه مما سرَّع دخول قوات المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، المصنَّفة دولياً منظمة إرهابية، واليوم تطرح خطاباً سياسياً مغايراً، فهل يلتزم قادتها بتعهداتهم بأن التغيير لصالح السوريين جميعاً، سوف تتَّضح الأمور خلال الفترة الانتقالية، هل هم بالفعل يريدون سوريا لكل السوريين، أم هناك أجندة مخفية؟
جاءت نهاية النظام السوري سريعة ومفاجئة، وأسباب سقوط النظام عديدة، انهيار الجيش السوري، فالرئيس المخلوع لم يستمع إلى نصائح حلفائه الروس والإيرانيين، وأضاع فرصاً عديدة من أجل إحداث التغيير والإصلاح السياسي وإشاعة الديمقراطية ومشاركة القوى الوطنية والديمقراطية المعارضة في السلطة من خلال انتخابات رئاسية ونيابية حرة ونزيهة بإشراف جهات محايدة عربية ودولية، ربما يقول قائل إن البكاء على اللبن المسكوب لن يغير شيئاً من الواقع الحالي، لكن مشكلة الحكام والقادة العرب هي التمسك بالسلطة بالنار والحديد، وممارسة كل أشكال الاضطهاد والاستبداد ضد شعوبهم، حوَّلوا بلداننا العربية إلى سجون ومعتقلات للمعارضيين، وأحاطوا أنفسهم ببطانة فاسدة، وتفشت ظواهر الفقر والجوع وهدر كرامة الإنسان، كل هذه المآسي وانتهاكات حقوق الإنسان، لا تهم حكامنا العرب، كما أنهم لا يتعظون من تجارب الحكام الطغاة والمستبدين الذين حكموا في أكثر من بلد حول العالم ، وكان مصيرهم مزبلة التاريخ.
النظامان البائدان في العراق وسوريا، البلدين اللذين حكمهما حزب البعث، مارسا ممارسات فظيعة ضد المعارضة، فتمَّ سجن وتصفية رفاقهم أولاً من القيادة القومية والقطرية وبعدها جاء الدور على المعارضة الديمقراطية والتقدمية بما فيهم الذين كانوا شركاء لهم في الجبهات الوطنية التقدمية، التسلط وحكم الفرد كانا ثوابتَ راسخةً لدى النظامين، ولدغدغة عواطف الجماهير الفلسطينية والعربية، يرفعون الشعارات القومية مثل الوقوف مع القضية الفلسطينية، ولكن أفعالها شنيعة تجاة الفلسطينيين، فهل ننسى ماذا فعلوا بهم في مخيم تل زعتر الفلسطيني عام 1976 في لبنان، ومحاصرة المخيمات الفلسطينية هناك عام 1984 من طرف النظام السوري، الذي بعد سقوطه تمَّ فتح السجون، وبالأحرى المقابر، والتي خرج منها المعتقلون والسجناء السياسيون فكان الكثيرون منهم فاقدي الوعي والذاكرة، ناهيك عن قضايا الفساد وسرقة أموال الشعب من قبل المتنفذين في السلطتين في العراق وسوريا، ما يجعل سقوط مثل هذه الأنظمة السياسية غير مأسوف عليه.
السؤال هل القوى الجديدة التي استلمت السلطة في سوريا، وهي قوى دينية متطرفة تؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية وتحترم حقوق المرأة والإنسان؟. المؤشر الحالي يثير القلق والريبة حيث حكومة تصريف الأعمال جاءت من لون واحد فقط، أما الشيء الآخر المقلق فهو الموقف من القضية الفلسطينية، فالكيان الصهيوني استغلَّ الوضع الجديد في سوريا وقام بمئات الاعتداءات على المنشآت العسكرية للجيش السوري، واحتلّ قرى ومناطق عديدة في الجنوب السوري ، فيما اكتفت السلطة الجديدة بموقف خجول تجاه تلك الاعتداءات الصهيونية بعد حوالي خمسة أيام.
الأشهر القادمة سوف تتضح ملامح الحكم الجديد في سوريا، فاللاعبون الإقليميون والدوليون الذين كانوا مساهمين فاعلين في إسقاط النظام السوري، يريدون من سوريا أن تتقاطع وتتوافق مع أهدافهم ومصالحهم المستقبلية والاستراتيجية، لا يهم مَنْ الجهة أو التيار الذي يحكم في دمشق، الأهم بأن لا يخرج عمَّا هو مرسوم له، وأن لا يدخل في حرب مع الكيان الصهيوني حتى لو احتلَّ أراضي سورية. يريدون سوريا منزوعة السلاح، ضعيفة، يمكن أن يغضُّوا النظر عن شروط بناء سوريا التي يجب أن تكون للسوريين جميعًا من خلال انتخابات رئاسية ونيابية وتحترم فيها حقوق الإنسان والمرأة والأقليات والسماح بتداول السلطة، من خلال إصدار دستور جديد فيه الحقوق والواجبات واضحة يعبِّر عن الفئات والأطياف في المجتمع السوري، يعبِّر عن دولة القانون والمؤسسات.
عانت سوريا من أربعة وخمسين عاماً من حكم الفرد والدكتاتورية، فهل يتحقق حلم السوريين والسوريات في حياة حرة وديمقراطية تُصان فيها كرامة الإنسان بلا خوف ولا بطش ولا معتقلات وسجون؟