سيناريوهات سوريّة متوقعة

0
9

كان من المتعيّن أن يسقط حكم الرئيس السوري السابق بشار الأسد في عام 2011، شأن رؤساء عرب آخرين في المشرق والمغرب العربيين: زين العابدين بن علي، حسني مبارك، معمّر القذافي، علي عبدالله صالح، في موجة السقوط المدوي يومذاك. توفّر للأسد ما لم يتوفر لسواه من أوجه دعمين، إقليمي ودولي، فرضها موقع سورية الجيوستراتيجي المهم جداً بالنسبة للداعمين. يمكن وصف ما جرى في سورية، أخيراً، بأنّه النسخة المؤجلة من أحداث 2011.

ومن المبكر جداً توقّع كيف ستسير مجريات الأحداث داخلياً، بعد سقوط نظام بشارالأسد، وكيف ستؤثر هذه المجريات على الوضع العربي عامة، لا بل والوضع الإقليمي، بالنظر إلى أهمية سوريا من كافة الأوجه، كونها دولة مفصلية في المنطقة، وما يجري فيها له انعكاساته في محيطها.

على خلاف التوقعات السابقة من أن التحوّل في سوريا، من النظام الذي كان قائماً إلى ما بعده، سيكون دموياً، فإن لحظة سقوط نظام الأسد مرّت بسهولة نسبيّاً، وساعد في ذلك أنّ النظام قد تهاوى من داخله، وفقد أوجهاً رئيسية من الدعم التي كانت تقدّم له من حلفائه، إقلبيمياً ودولياً. وبعد مرور حوالي أسبوعين على سقوط هذا النظام، فإنّ الخطاب المرسل من القيادة الجديدة، على لسان وجهها الأبرز أحمد الشرع، يقدّم تطمينات إلى الداخل والخارج، حول طبيعة الخطاب السياسي المنتظر من دمشق الجديدة، وسط مخاوف ليست خافية، أولاً؛ من قطاعات واسعة من المجتمع السوري المعروف بتنوعه الطائفي والمجتمعي، وتراثه الثقافي – الاجتماعي المنفتح، من أن يفرض على سوربا نظام إسلاموي متشدد، يتسق مع خطاب الجماعات الإسلامية المسلحة المناوئة للنظام السابق وكان لها دور في إسقاطه، أما على صعيد الإقليم، ومن واقع تجارب سابقة، في مصر وتونس وسواهما غداة أحداث عام 2011، فهناك خشية من إعادة “تصدير” ما جرى في سوريا إلى بلدان عربية أخرى.

في التعامل مع هذه الخشية الإقليمية، العربية تحديداً، أكثر الشرع من القول إنّ أولويته  ستكون سورية داخلية، وأن الغاية هي تأمين استقرار سورية وعودة المهجرين، والنهوض بوضع البلد، وبالغ أكثر مما ينبغي في طمأنة إسرائيل من أنّ الدخول في مواجهتها ليس مطروحاً في أجندة القيادة الجديدة، كون سورية منهكة من الظروف الصعبة التي عانت منها بسبب سياسة النظام السابق، رغم قيام إسرائيل باحتلال أراض سورية استراتيجية مباشرة بعد سقوط الأسد. أما في التعامل مع الخشية الداخلية فقد سعى، أيضاً، للطمأنة، من خلال مفردات خطابه التي نأت، قدر الإمكان، عن الخطاب المعتاد من الجماعات الإسلامية الآتي هو شخصيّا منها، بالنظر إلى تاريخي الحزبي والسياسي المعروف، وتنال هذه الطمأنة رضاً ملحوظاً عند المتخوفين، رغم أنّ الأمر لا يخلو من ممارسات متفرقة، تبثّ على وسائل التواصل، تظهر أنّ الطبع يغلب التطبع، ما يتطلب تدابير فعلية وصارمة من القادة الجدد تقرن تطميناتهم بالأفعال الملموسة.

سورية اليوم في مرحلة مخاض حاسم. الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها، وبينها الاحتمالات السلبية أو السيئة، والتي قد لا تنجم بالضرورة من سلوك القادة الجدد، أو من سلوكهم وحدهم، وإنما من تضارب الأجندات الدولية والإقليمية تجاه المستقبل السوري. لقد تلقّت إيران ضربة كبيرة بسقوط الأسد، ووجدت نفسها مكرهة على مغادرة سوريا، وليس واضحاً بعد ما إذا كانت هذه الخسارة قد أفقدتها كلياً  أي هامش للمناورة، وتختلف التفاصيل بالنسبة لروسيا، الداعم الدولي الأكبرلنظام الأسد، التي أظهرت براغماتية واضحة في التعامل مع مستجدات ما بعد سقوطه، وسط تطمينات القيادة الجديدة لها حول وضع قاعدتيها العسكريتين على الساحل السوري، ولو مؤقتاً، ربما بطلب تركي، كون انقرة حلّت محل طهران في التأثير على القرار السياسي في دمشق، بل وأصبحت اللاعب الإقليمي الأكثر نقوذاً فيها، خاصة وأن جزءاً من الأراضي السورية هو، فعلياً، تحت سيطرتها منذ سنوات، وبات الطريق ممهداً لها أكثر للسيطرة على المزيد منها في نطاق مواجهتها لخصومها الكرد، الذين، يحظون، بدورهم، بغطاء أمريكي، ليس واضحاً بعد كيف سيتعامل معه الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

هذه الشبكة من التناقضات والتقاطعات تحمل بعض المحللين إلى عدم استبعاد سيناريوهات باعثة على الشؤم، من أن تجد سورية نفسها أمام سيناريو مشابه لذاك الذي مرّت وتمرّ به ليبيا، خاصة على خلفية التعدد الطائفي والإثني في البلد، ما قد يؤدي إلى تفككها.

سيناريو مثل هذا ليس غاية قادة دمشق الجدد ولا في مصلحتهم. وكل الحريصين على مستقبل سورية والأمن في الإقليم مطالبون بالعمل على تفاديه، وهو أمر ممكن جداً، لو تضافرت الإرادات. تتطلب مواجهة التحديات الحقيقية الكبيرة والتصدي لها، حكمة وبعد نظر من جميع المعنيين، وبالطبع فإن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق أصحاب القرار الجدد، الذي عليهم أن يدركوا بأن المرحلة المقبلة أصعب بكثير مما سبقها.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا