بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، عقب استيلاء المعارضة المسلحة على العاصمة دمشق، برزت تساؤلات حول الأطراف الدولية المنخرطة في الصراع السوري، في حين دار الحديث عن فكرة شرعنة الإرهاب، في سياق أن عددًا من فصائل المعارضة السورية صُنفت كمنظمات إرهابية، لكن ،كما كتب ممدوح ثابت في جريدة “المصري اليوم”، تظل المكاسب والخسائر رهنًا بالتطورات السورية نفسها والقدرة على تأسيس وضع مستقر يمكن من خلاله التعامل مع التحديات والتهديدات الجديدة.
وبحسب المصدر المذكور أعلاه، أكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، أنه بات واضحًا بشكل جلي الأجراءات الأمريكية لدراسة رفع تنظيم جبهة تحرير الشام أو بالتحديد أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) من قائمة الإرهاب، مشيرًا إلى أن الأمريكان شركاء في هذا الأمر، ومن يعتقد أن ما حدث في الأيام الماضية وسقوط نظام الأسد كان مصادفة هو مخطئ.
إن هذا الأمر خُطط له بشكل جيد بتعاون الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي وتركيا، و”الأسد” يتحمل مسؤولية الوصول إلى هذا الحال نتيجة تراخيه في ملفات عدة، وفي الوقت نفسه لم يذهب إلى مصالحة حقيقية مع شعبه السوري، وبالتالي كانت عمليات السقوط بشكل دراماتيكي متوقعة، كما أن نية الولايات المتحدة الأمريكية على رفع تنظيم “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب يعطي دلالة بشكل قطعي حول الدور الذي تمارسه الولايات المتحدة في صناعة الإرهاب بشكل عام، وبالتحديد عندما نتحدث عن إرهاب منظم تقوده واشنطن.
وفي هذا السياق، كتب الباحث حسام الحداد، المتخصص في شؤون حركات الإسلام السياسي، إن “هيئة تحرير الشام ” نشأت كفرع لتنظيم القاعدة تحت أسم ” جبهة النصرة “، وقد تورطت في العديد من الجرائم الإرهابية والانتهاكات بحق المدنيين السوريين، مما جعلها تُدرج على قوائم الإرهاب الدولية.
ورغم محاولة الهيئة في السنوات الأخيرة إعادة صياغة خطابها السياسي وتقديم نفسها كقوة معارضة ” معتدلة “، إلا أن جوهرها كجماعة متطرفة لم يتغير. وتعدّ محاولة تقديمها كشريك في العملية السياسية السورية تناقضًا واضحًا مع التصنيف السابق لها، ويثير التساؤل حول نوايا الولايات المتحدة ومدى استعدادها لتجاوز جرائم الجماعة لأسباب سياسية أو إستراتيجية.
لايمكن الحديث عن “معارضة مسلحة” حقيقية في سوريا، خاصة في ظل سيطرة الجماعات الإرهابية على المشهد العسكري للمعارضة . منذ بداية الأزمة السورية، كانت الفصائل المسلحة مدفوعة بخطابات دينية متطرفة ومرتبطة بشبكات إقليمية ودولية تمولّها وتدعمها.
“هيئة تحرير الشام” ليست استثناءً؛ بل هي جزء من شبكة الإرهاب التي تستغل الفوضى لتحقيق أجندتها الخاصة. رفع اسمها من قائمة الإرهاب يعطيها شرعية غير مستحقة، وتظُهر تسامحًا مع جرائمها السابقة.
إعلان المسؤول الأمريكي بأن التعامل مع “هيئة تحرير الشام” سيكون مسترشدًا بالمصالح الأمريكية يعكس سياسة واشنطن البراغماتية، التي تضع المصالح فوق المبادئ. الولايات المتحدة التي تقود حملة عالمية لمكافحة الإرهاب تبدو في هذا الموقف مستعدة للتغاضي عن ماضي جماعة إرهابية إذا تحقق مصالحها في مواجهة النظام السوري أو القوى المنافسة في المنطقة.
هذا النهج ليس جديدًا ؛ فقد سبق لواشنطن أن تعاونت مع جماعات مسلحة في أفغانستان والعراق لتحقيق أهدافها، لينتهي الأمر بتفاقم الأزمات التي جاءت تلك التدخلات لمعالجتها.
نقل رسائل إلى المعارضة المسلحة عبر تركيا، تؤكد عدم التعاون مع “داعش” يظهر أن الولايات المتحدة تحاول رسم خطوط حمراء “أخلاقية”، لكنها في الوقت ذاته تعطي ضوءًا أخضر للتعامل مع جماعات أخرى ليست أقل خطورة.
هذه الرسائل تنقل، على حد قوله، إشارة مفاداها أن الولايات المتحدة قد تغض الطرف عن جماعات إرهابية إذا كانت تخدم أهدافًا معينة. هذا النهج يهدد بتعزيز الجماعات المتطرفة وإضعاف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
رفع اسم “هيئة تحرير الشام” من قائمة الإرهاب يحمل رسائل خطيرة إلى الجماعات الإرهابية الأخرى بأن المجتمع الدولي مستعد لتجاوز ماضيها إذا توافقت مع مصالحه السياسية. هذا القرار قد يشجع تلك الجماعات على تغيير إستراتيجياتها وتجميل صورتها إعلاميًا دون التخلي فعليًا عن أيديولوجياتها أو أساليبها العنيفة، على أمل تحقيق اعتراف دولي مماثل. مثل هذه الرسائل تُعد بمثابة دعم غير مباشر للإرهاب، حيث تُظهر أن الالتزام بقيم حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب يمكن تجاوزه إذا كانت هناك مكاسب سياسية وإستراتيجية.
القرار يُضعف مصداقية التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ويعطي انطباعًا بازدواجية المعايير. كيف يمكن تفسير هذا التوجه للدول التي تحارب الإرهاب في مناطق أخرى، مثل أفريقيا أو الشرق الأوسط؟ عندما يرى المجتمع الدولي أن قوة متطرفة كانت جزءًا من شبكة “القاعدة” يمكن أن تحصل على الشرعية، فإن ذلك يخلق فجوة في الثقة ويعقد التعاون بين الدول في مكافحة الإرهاب. هذه الازدواجية تُظهر أن الحرب على الإرهاب ليست مبنية على مبادئ ثابتة، بل على المصالح السياسية، مما يُضعف الدعم الشعبي والدولي لهذه الجهود.
على المستوى السوري المحلي، إشراك “هيئة تحرير الشام” في العملية السياسية السورية لن يؤدي إلى الاستقرار، بل سيزيد من تعقيد الأزمة ويعمق الانقسامات. الجماعة، التي تحمل تاريخًا من العنف والتطرف، ستُواجه برفض شعبي وسياسي من أطراف سورية ودولية أخرى، مما يعرقل أي محاولات للوصول إلى تسوية شاملة. علاوة على ذلك، منح الشرعية لجماعة متطرفة كهذه قد يدفع فصائل أخرى إلى التشدد كوسيلة لفرض نفسها على الساحة السياسية، مما يؤدي إلى تصعيد العنف وتأخير أي مسار نحو السلام.
About the author
كاتب بحريني وعضو التقدمي