ستون عاماً على انتفاضة مارس 1965 المجيدة

0
134

مضى ستون عاماً على انتفاضة مارس 1965 المجيدة، واحدة من أهم انتفاضات شعبنا، جاءت بعد أن سرَّحت شركة بابكو ألف وخمسمائة عامل وموظف من الشركة على دفعات، لم تسرح أو تفصل العمال دفعة واحدة، فحرمت مئات العوائل البحرينية من مصدر رزقهم الوحيد، بتسريح العائل: (الأب، الأخ، الابن). أُطلِق على هذه الانتفاضة مسميات عديدة (الانتفاضة العمالية / ثورة شعب البحرين/ انتفاضة مارس)، جاءت هذه الانتفاضة بعد عشر سنوات على قمع حركة هيئة الاتحاد الوطني (1954 – 1956)، من قبل الاستعمار البريطاني والرجعية، ومن المعروف بأن قيادة الهيئة تشكّلت من شخصيات وطنية ضمّت وجهاء وأعيان البحرين من الطائفتين الكريمتين، في وحدة وطنية قلَّ نظيرها في تاريخ البحرين المعاصر.

 انتفاضة مارس 1965 المجيدة جاءت مميزة ومختلقة لطبيعة قيادتها من قبل الحركة الوطنية البحرينية (أحزاب سياسية ذات توجهات إيديولوجية)، واستمرت لعدة أشهر، وسقط فيها شهداء من مدن وقرى البحرين، وزُجَّ بالعشرات من مناضلي القوى الوطنية المشاركة في الانتفاضة في السجون والمعتقلات، وآخرون خرجوا إلى المنافي بعد ملاحقة أجهزة أمن المستعمر البريطاني لدورهم البارز في الإنتفاضة، كما برز فيها دور العمال والطلبة، بالإضافة لمشاركة المرأة البحرينية فيها بشكل واسع. تجسدت في الانتفاضة الوحدة الوطنية بين القوى السياسية البحرينية وصدرت العديد من البيانات المشتركة فيما بينها كان له أثر إيجابي على سائر فئات الشعب، إلقاء الكلمات المشتركة لممثلي القوى الوطنية وبالأخص في مدينة المحرق، ففي كتابه (يوميات من انتفاضة مارس 1965 –  معايشة شخصية)  للراحل المناضل المحامي محمد السيد، الذي  دوّن فيه العديد من الأحداث بصفته قائداً  ميدانياً بارزاً  في المحرق، مثّل هناك جبهة التحرير الوطني البحرانية مع ممثلي القوى الوطنية الأخرى، كان يخطب في الجماهير المحتشدة إلى جانب ممثلي القوى الوطنية المشاركة في الانتفاضة، ففى يوم الاثنين بتاريخ 16 مارس 1965،  ألقى خطاباً في المسجد الذي يقع في شارع الشيخ حمد .

بدأ كلمته بأبيات من شعر سليمان العيسى: “يلقاك بالدم … دم الثورة المقل … يا ثورة في زنود السمر تشتعل”. ياعمالنا البواسل، ياعمالنا الأشاوس، يا جماهير شعبنا المناضلة، إننا في هذه الأيام نعيش انتفاضة شعبية حقيقية، ثورة تشتعل في قلوب العمال والفلاحين والكادحين الفقراء، إنها ثورة قامت بها جماهير شعبنا من جميع الطبقات الاجتماعية الكادحة، إنها ثورة العمال والطلاب والمدرسين والموظفين وجميع الكادحين،  إن إضرابنا الشامل الذي عمَّ جميع مرافق العمل، وعمَّ جميع المدن والقرى من أجل مطالب وحقوق عادلة واضحة لا يختلف عليها أي من القوى الوطنية،  إن جميع القوى الوطنية في تحالف والتقاء على جميع مطالبنا العادلة، وهي كما جاء في بيان وزعته القوى الوطنية وأكدت فيه على: إرجاع العمال المفصولين إلى أعمالهم، وقف توظيف العمالة الأجنبية على حساب العمال الوطنيين،  نطالب بنقابات عمالية في جميع مواقع العمل تدافع عن حقوقنا ومطالبنا العادلة، وإحنا اللي نختار قياداتنا،  نطالب بلجنة التحقيق في حوادث إطلاق النار على المظاهرات السلمية، يشارك العمال في اختيار ممثلهم فيها، لمعاقبة المجرمين، نطالب بإلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات العامة… إن هذه وغيرها هي مطالب شعبنا ولن نحيد عنها” .

وجاء في كلمة السيد أيضاً: “أيها الأخوة الأعزاء…أيها المناضلون الشرفاء …إننا في معركة حقيقية صعبة، القوى فيها ليست متكافئة، لكن تضامنكم ووعيكم، بتراص صفوفكم، والاستمرار في إضرابكم وإعلان احتجاجاتكم عن طريق المظاهرات هي السبيل الوحيد الذي ننفذ به إلى العالم، وبسواعدكم الثورية سنحقق مطالبنا…ياجماهير شعبنا المناضل…ليس عمال بابكو وحدهم الذين يعانون من الظلم والتعسف بل جميع قطاعات شعبنا تعاني من أزمات مزمنة كأزمة السكن وعدم وجود مستوصفات في المدن والقرى لعلاج الفقراء والكادحين. إن شعبنا يعاني من نقصٍ في المياه الصحية ونقصٍ في الكهرباء حيث غالبية القرى وبعض المناطق في المدن بدون كهرباء ونعاني من تدني مستوى المعيشة وتدني الأجور ومن ظروف العمل السيئة. والبطالة المتفشية بين جميع المواطنين، هذه وغيرها من الأمراض والمشاكل المزمنة هي التي دفعت بجماهير شعبنا الأبي للقيام بهذة الانتفاضة بهذة الثورة المباركة.”

كأن الرفيق المحامي الراحل محمد السيد، في وصفه هذا يتحدث عن هذه الأيام. كانت القوى الوطنية الديمقراطية حاضرة وبقوة في انتفاضة مارس 1965، الانتفاضة التي شاركت فيها الجماهير الشعبية في العديد من مناطق وقرى البحرين، انتفاضة عابرة للطوائف، وبفضل مناضلي الحركة الوطنية استمرت لعدة أشهر، وانتهت باعتقال قادة الانتفاضة وخروج بعضهم بشكل سري من البحرين، وقساوة الإجراءات البوليسية القمعية التي مورست من قبل قوات المستعمر البريطاني والرجعية ضد المناضلين والجماهير الشعبية، تمَّ إجهاض الانتفاضة وبقي الحلم الثوري بطرد المستعمر البريطاني من بلادنا، وتحقيق الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي يراود  المناضلين وعشاق الحرية والثورة “.

تحقق جزء منها في استقلال البحرين في الرابع عشر من أغسطس عام 1971، وإصدار أول دستور في البحرين من خلال المجلس التأسيسي في يونيه عام 1973، وجرت أول انتخابات نيابية في البحرين في السابع من ديسمبر عام 1973، ففاز العديد من مناضلي وقادة انتفاضة مارس 1965، أعضاء كتلة الشعب اليسارية.

 ستبقى انتفاضة مارس 1965، حدثاً هاماً في تاريخ شعبنا وحركته الوطنية الديمقراطية، المجد والخلود لشهداء الانتفاضة وكل شهداء شعبنا.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا