اختار المنتدى الفكري السنوي للمنبر التقدمي في البحرين لدورته الحادية عشرة، التي انعقدت في الحادي والعشرين من فبراير الماضي موضوع: “شعوب الخليج العربي والقضية الفلسطينية”، في إطار ما شهدته البحرين من حملات تضامن مع شعب فلسطين إثر العدوان الإسرائيلي على غزّة، ولأنّ المنتدى خليجي الطابع منذ تأسيسه، كانت هذه الدورة فرصة للوقوف على صورة بانورامية لتضامن شعوب الخليج مع القضية الفلسطينية، حيث تناولت الأوراق المقدّمة فيه بدايات نشوء هذا التضامن والمراحل التي مرّ بها، تبعاً لتطوّر القضية الفلسطينية نفسها، منذ أن كان المشروع الصهيوني مجرد فكرة، إلى أن نُفذّ باحتلال فلسطين وتهجير شعبها من أراضيه، ويسّرت هذه الأوراق التي قدّمها كل من أحمد الديين من الكويت، محمد القشعمي من السعودية، سعيد الهاشمي من عُمان، حسن مدن من البحرين الوقوف على تلك البدايات وما تلاها، فيما قدّم الباحث العراقي المقيم في الكويت، محمد العتابي، ورقة سلّطت الضوء على ثقافة المقاومة، كمأوى أخير للمثقف من الحملات الممنهجة لتدجينه، ووقف عند مفهوم المثقف المقاوم، مضيئاً جوانب مهمة من هذا الموضوع.
وأدار جلستي المنتدى كل من الشاعر مهدي سلمان والناشطة في الحركة التقدمية الكويتية هاجر المطيري.
المتروك: فلسطين محور النضال وبوصلة الانتماء
افتتح المنتدى بكلمة الأمين العام للمنبر التقدمي الرفيق عادل المتروك أوضح فيها إنه “انطلاقاً من الاهمية التاريخية التي تمر بها المنطقة، وفي إطار مواقف شعبنا وحركته الوطنية في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته، اخترنا لهذه الدورة من منتدانا موضوع القضية الفلسطينية وشعوب الخليج، في إطار التأكيد على الطابعين الوطني والخليجي للمنتدى، حيث تسلط الأوراق المقدمة في المنتدى عن صفحات مجهولة من تضامن شعوبنا في الخليج مع فلسطين، تظهر النضالات والتضحيات التي خاضتها الشعوب معبرة من خلالها عن تلك المشاعر القومية والمواقف المبدئية، واليوم وبالرجوع الى تلك الحقبة الزمنية نستشعر مدى التراجع، ونعي المهمة التي علينا الان التصدي لها كي نعيد الزخم ونحيي الوعي بأهمية مواجهة الصهيونية العالمية”.
وأضاف المتروك: “لطالما كانت القضية الفلسطينية محور النضال، وبوصلة الانتماء القومي عند الشعوب العربية، وواحدة من أهم ركائز الوعي الأممي في مواجهة الاستعمار ومن أجل التحرر الوطني في العالم اجمع. ان المنتدى الفكري وهو يحاول الكشف عن الارتباط الوجودي بين التحرر من الاحتلال الصهيوني واستقلال دول المنطقة وحرية شعوبها، انما هو في واقع الحال يكشف عن الدور القذر الذي يؤديه الاحتلال الصهيوني خدمة للإمبريالية، على اعتبار أن وجود الاحتلال واستمراره، ما هو الا امتداد جيوسياسي له وظيفة غايتها الهيمنة على شعوب المنطقة واخضاع دولها الى املاءات دول المركز، بغية ابقاء السيطرة المطلقة على الثروات الطبيعية ومسارات امداد الطاقة، وهو ما يعني ديمومة تقسيم العمل لصالح كفة اسرائيل، مبيناً أنه لا سبيل للخروج من هذه العقدة إلا بمقاومة الاحتلال”.
الديين: جدلية العلاقة بين فلسطين والكويت:
أشارت ورقة الباحث والقيادي في الحركة التقدمية الكويتية أحمد الديين إلى أنه “عندما نعود إلى بداية العشرينات من القرن العشرين، وبُعيد سنوات قلائل من وعد بلفور، حينما كانت فلسطين خاضعة للانتداب البريطاني والكويت خاضعة للحماية البريطانية شأنهما في ذلك شأن معظم البلاد العربية الخاضعة للهيمنة الاستعمارية الغربية المباشرة، نجد أنّ المؤرخين يشيرون إلى أنّ وفداً برئاسة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ضم أمين التميمي ورشيد الحاج إبراهيم زار الكويت حينذاك لجمع التبرعات لإعمار المسجد الأقصى، وتلتها زيارة أخرى للحاج أمين الحسيني إلى الكويت في العام 1935 ضمن جولة عربية.
وأضاف: “لقد تفاعل الكويتيون مبكراً مع القضية الفلسطينية، ففي العام 1933 أرسل عدد من الشباب الكويتي رسالة إلى المقيم السياسي البريطاني في الكويت يحتجون فيها على سياسة التنكيل بالفلسطينيين التي مارستها سلطات الانتداب البريطاني، أما عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في العام 1936 فقد جمع الكويتيون التبرعات المالية دعماً لها، وشكلوا في أكتوبر من ذلك العام أول لجنة لمناصرة الشعب الفلسطيني ضمت سبع شخصيات وطنية كان على رأسها الشيخ يوسف بن عيسى القناعي.”
وتتبعت الورقة مراحل تطوّر تضامن الشعب الكويتي مع فلسطين، حيث “مثّلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في نهاية سبتمبر من العام 2000 بداية مهمة لتسامي الكويتيين فوق جراحهم تجاه مواقف عدد من القيادات الفلسطينية والقسم المتعاطف مع الاحتلال العراقي للكويت بين الفلسطينيين المقيمين فيها خلال فترة الغزو والاحتلال في العام 1990، وبرز ذلك بشكل واضح وملموس في التجمع التضامني الحاشد للجماهير الكويتية في “ساحة العلم” الذي اتجه بعدها إلى مبنى مجلس الأمة”.
وأضاف الديين: “جاء طوفان الأقصى ليعيد الاعتبار إلى المقاومة ودورها ويؤكد على نحو ملموس ذلك الارتباط الجدلي بين مقاومة الشعب العربي الفلسطيني للاحتلال الصهيوني مع مقاومة الشعوب العربية وقواها التحررية للهيمنة الإمبريالية وأنظمة التبعية والتطبيع”.
القشعمي: الشعب السعودي والقضية الفلسطينية
الباحث السعودي محمد القشعمي أشار في ورقته بالمنتدى إلى أنه في يوليو 1937، حمل أحد أعداد جريدة (أم القرى) السعودية العناوين الرئيسية البارزة: “الشعب العربي السعودي يغضب لشقيقه في فلسطين.. المظاهرات في طول البلاد وعرضها – الاضراب يشمل جميع المتاجر والحرف والأعمال.. الهتاف بحياة فلسطين مسلمة عربية مستقلة.. برقيات الاحتجاج لدى المراجع العليا تهزّ اسلاك البرق في طول البلاد وعرضها”. حين اطلع الناس على الجريدة، شهدت مكة حركة غير عادية، وساد الغضب الشعبي، واعتزم سكان العاصمة الإعلان عن شعورهم ذاك، وبدأوا حركتهم بالإضراب العام الشامل طيلة ذلك يوم كامل، فقاموا بمظاهرات سلمية يلفتون بها النظر إلى شعورهم، واتقد الحماس، فأضربت المدن والقرى في سائر بلدات ومدن المملكة، واجتمع الأهلون في المساجد وطافوا بدوائر الحكومة ومصالحها لإبلاغ احتجاجهم.
ونقل القشعمي ما نقلته الصحافة السعودية يومها عن المظاهرات في الطائف ومكة وجدة، ليقيس عليه “مدى اتقاد الشعور في نفوس الأهلين ويقدر بنفسه ما يستطيع تصوره من حرج الحالة في سائر بلاد المملكة العربية السعودية، فقد امتد إليها الشعور العام بامتداد أسلاك البرق وفي سرعته الخاطفة حتى عم كل مكان وكل قرية وكل ضاحية”.
سعيد الهاشمي: فلسطين والعُمانيون: بين النكبة والطوفان
ومن سلطنة عُمان أشار الباحث سعيد الهاشمي إلى أنّ “سؤال فلسطين استطاع أن يوحّد الخطابات الثورية العمانية المختلفة ويصهرها في قناة واحدة تصب دعمها ومناصرتها للثورة الفلسطينية رغم التناقضات الموضوعية والاختلافات في المنشأ والأهداف والأفكار والوسائل لكل منها. فكل التجارب الثورية العُمانية منذ الخمسينيات لصدّ التدخل البريطاني على أراضي الداخل العُماني، مروراً بالثورة العُمانية في النصف الثاني من الستينيات والأول من السبعينيات، وحتى التجربة المبكرة لحزب الاتحاد العماني، الذي أسسته النخبة العمانية في كراتشي، في مطلع الخمسينيات لم تغفل عن السؤال الفلسطيني وتآمر القوى الاستعمارية على فلسطين”.
وأشار الهاشمي إلى “أن العمانيين عبّروا بوسائل عدة عن نُصرتهم لإخوتهم في غزة وانتفاضة طوفان الأقصى. من بين مظاهر هذه النُصرة: الخروج في مسيرات حاشدة بعد صلوات الجمعة، من أغلب مساجد وجوامع مدن وقرى البلاد. الاعتصام الاسبوعي بين صلاتي المغرب والعشاء في الجامع الأكبر في مسقط. وهو جامع الدولة الرئيس. حيث تم رفع شعارات لم تكن تخطر على بال أكثر العمانيين تفاؤلاً، من قبيل طرد السفير البريطاني والسفير الأمريكي. دعوات مقاطعة البضائع الداعمة للكيان والتي حققت نتائج لافتة أدت إلى إغلاق محلات تجارية وعلامات عالمية وتسريح عمال تلك الشركات. كما اقترح مجلس الشورى توسيع مقاطعة إسرائيل علاوةً على تنامي الدعوات لقطع تصدير النفط والغاز العماني لأي دولة تدعم الكيان في حرب إبادته على الشعب الفلسطيني”.
مدن: محطّات من التضامن البحريني مع فلسطين
وفي تتبعه لنشوء وتطور التضامن الشعبي البحريني مع الشعب الفلسطيني أشار الرفيق د. حسن مدن إلى تشكيل أول لجنة تضامن بحرينية لنصرة كفاح الشعب الفلسطيني في 5 يونيو 1939 تحت مسمى لجنة إغاثة أيتام فلسطين، وهذه الأخيرة كانت الشكل الوحيد الذي استطاع فيه وطنيّو ووجهاء البحرين انتزاع هذا الاعتراف من الإنجليز، مشيراً إلى ألقاب وأسماء عائلات بعض أفرادها لإظهار تنوعها وتعبيرها عن كافة مكوّنات المجتمع البحريني، فهم يتحدرون من عائلات مثل البسام، فخرو، القصيبي، العليوات، كانو، المؤيد، العريض، القاضي، الزياني، الشيراوي، الجشي، بوحجي، الجودر، زليخ، أبل، المديفع، السيد علوي، البحارنة، السرور، الصفار، الفاضل، يتيم، الزائد. وفي الثامن من الشهر نفسه صدرت صحيفة “البحرين” على يد عبد الله الزايد، وتصدّرت فلسطين صفحتها الاولى، ومن عناوينها “شعور البحرين نحو نكبة فلسطين”.
ونقلاً عن كتاب الباحث الراحل خالد البسام نقل مدن ما ذكره عن اجتماع أعضاء اللجنة في الأول من ديسمبر عام 1947 وقرارهم دعوة البحرينيين للإضراب تضامناً مع إخوانهم الفلسطينيين لإظهار رفضهم لتقسيم فلسطين، وبالفعل نجحت الدعوة واستجابت لها البحرين، وفي صباح يوم الثاني من شهر ديسمبر أغلقت جميع الدكاكين في سوق المنامة احتجاجاً على قرار التقسيم، فيما سارت مظاهرة صاخبة في شوارع المنامة والمحرق شارك فيها المدرسون وطلبة المدارس الذين خرجوا من مدارسهم في المنامة والمحرق، يهتفون بسقوط الأمم المتحدة والدول الكبرى، وجرى في بيت فاروق تجمع شعبي كبير، ألقيت فيه خطب حماسية كثيرة وقصائد للشعراء أمثال عبدالرحمن المعاودة ورضي الموسوي، وكان للمرأة البحرينية مشاركتها القوية في تقديم أوجه الدعم المختلفة، بما في ذلك انخراطها في المظاهرات والاحتجاجات المتضامنة مع فلسطين.
العتابي: ثقافةُ التصدي سلاحاً
الباحث محمد العتابي تناول في ورقته ثقافة المقاومة، بصفتها سلاحاً في مواجهة المحتل، متوقفاً عند مفهوم “المثقف المقاوم”، كرديف لـ “المثقف العضوي”؟، او لما يصفه إدوارد سعيد بالمثقف الحقيقي، ما ينطبق أيضاً على توصيف الشهيد باسل الأعرج بالمثقف المشتبك، مشيراً إلى أن المثقف المقاوم هو ذاك “الذي ينطلق من أيديولوجيا واضحة باعتبارها مركزاً لمشروعه ولوظيفته التي تقتضي الخوض في عمليتيْ هدمٍ وبناء دائمتين للحفاظ على توهج شعلة الإصلاح والمقاومة. بمعنى أن المثقف المقاوم هو مثقف يُمارس المشاغبة الواعية بشكل مستمر، وهو ما يذهب إليه غرامشي: المثقف دائماً في طليعة طبقته”.
وتوقف العتابي عند ما وصفه بتسخيف دور الثقافة في التغيير، “وهي سياسة ممنهجة تحاول عزل المثقف عن مجتمعه، وهو ما يدحضه إدوارد سعيد الذي ذهب إلى أن الإمبريالية استقرت بالثقافة، واهتزت أركانها بالثقافة المقاوِمة، أو كما يصفها ابن خلدون الصراع بين الأمم الغالبة والمغلوبة. يلعب المثقف المقاوم دوراً طليعياً في بناء الذات الثورية”.
وأكدّ الباحث على أن المثقف العضوي يتميز “بمعرفته الموسوعية التي تُمكنه من امتلاك الأدوات اللازمة، أدوات التحليل والربط والسياقات التاريخية، والاطلاع على التطورات الآنية بعينٍ فاحصة ومتسلحة بالخزين المعرفي في الذاكرة. إنها العقبة الأولى دائماً أمام مفهوم “الموافقة”، وهي العملية التي لا تتطلب إجباراً مباشراً بقدر ما هي تدفق أفكار من “عقل” السُّلطة إلى الطبقات المحكومة من دون مقاومة أو صراع”.
وأشار العتابي على ضرورة الدفاع عن مفهوم “الأيديولوجيا” “التي حولتها الدعاية والميوعة الأمريكية إلى اتهام ووصمة تُلاحق حاملها أو المُدافع عنها، حيث يُصار إلى مادة للتندر والسخرية كإحدى مفاعيل السيولة الغربية. هذه الحرب الشعواء على المعتقدات أدَّت إلى ترهُّلٍ عام في القطاعات الأكاديمية على سَبيل المثال”.
قصيدة للشاعر الدميني
وتضمّن برنامج المنتدى إلقاء قصيدة للشاعر السعودي الكبير الراحل علي الدميني، على صلة بالقضية الفلسطينية ألقتها زوجته ورفيقة دربه الشاعرة والأديبة فوزية العيوني.