التقارب الأميركي الإيراني ومستقبل المنطقة

0
10

تابع العالم خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة محاولات التقارب الدؤوبة بين الولايات المتحدة الاميركية وجمهورية ايران الإسلامية بعد عقود من العداء والمناكفة المستمرة في العلاقة بين البلدين وعلى مستوى المنطقة بأسرها. هنا ما الذي نستطيع مقاربته من مواقف يمكن ان يبنى عليها مستقبل نجاح أو فشل الحوار غير المباشر الجاري حالياً بين البلدين، ضمن علاقاتهما المتوترة منذ عقود، وسنوات من التشنج والحروب بالوكالة بينهما بعضها لم يتوقف بعد، والتي خلقت اجواءاً متوترة وحالة عدم استقرار إقليمي وتداخلات خارجية بالنسبة لمنطقتنا الخليجية والعربية على حد سواء.حتى نستطيع مقاربة العلاقة وآفاقها دعونا نفهم مغزى (مباغتة) الرئيس الاميركي دونالد ترامب وفي حضور رئيس وزراء دولة الاحتلال خلال آخر لقاء لهما، وهو الرافض على الدوام لأيّ تقارب مع إيران متذرعاً أحياناً بمسببات الحرب على غزة واحياناً بمخاطر الملف النووي الإيراني، حين أشار ترامب بوضوح إلى جديّة التوجه لفتح حوار مع إيران، مع إبقاءه الباب موارباً لفرض ما تريده إدارته بالقوة إن لم تنجح لغة الحوار، قابلته إيران من جانبها بلغة مرحبة مستعجلة خطوات ذلك الحوار، رغم أنها تمسكت بحقها في إنجاز اتفاق شامل ومستدام مع الجانب الأميركي، جاء ذلك على لسان أكثر من مسؤول هناك، فيما لا حظ المراقبون تراجع شعارات العداء الإيرانية التقليدية تجاه اميركا، كالموت لأميركا، واميركا الشيطان الأكبر ولو مؤقتا على الأقل!سلطنة عمان التي عملت على خلق وساطات مشابهة بين البلدين من قبل، سارعت وعلى مستويات مختلفة، داعية لاستضافة الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة بينهما في العاصمة العمانية مسقط، أوضحت على لسان مصدر مسؤول عماني كبير لوكالة رويترز، إلى أن “المحادثات بين إيران والولايات المتحدة تهدف إلى تهدئة التوترات الإقليمية وتبادل السجناء والتوصل إلى اتفاقات محدودة لتخفيف العقوبات مقابل كبح البرنامج النووي الإيراني”، وبالمثل نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية قوله: “نتوقع ألا تستغرق المحادثات مع الولايات المتحدة وقتاً طويلاً”، فيما نقل موقع آكسيوس القريب جداً من مواقع صنع القرار الأميركي عن مسؤول أمريكي قوله إنّ ترامب مستعدّ لتقديم تنازلات من أجل التوصل لاتفاق!من الواضح أنّ هناك حاجة ورغبة واضحة لدى الطرفين المتحاورين لخلق حالة مغايرة، كلّ من منطلقاته الخاصة، عما كانت عليه العلاقة بينهما طيلة العقود الماضية، وبالنظر إلى ما أحدثه العدوان الصهيوني على غزة وجنوب لبنان من تحولات فرضت نفسها بوضوح على معادلة الصراع القائم في المنطقة، وما تلا ذلك من تحولات وما حدث من تبعات وخسائر كبيرة واضعاف لمحور المقاومة، وما تلاه من سقوط مدو، بل ومفاجىء لنظام بشار الاسد في سوريا، مما أضعف ويضعف خيارات وأوراق إيران ومحور المقاومة ذاته، وكذلك هو الحال بالنسبة لاستمرار هجمات الحوثيين على حركة الملاحة، من سفن حربية أميركية وبواخر متجهة لدولة الكيان الصهيوني، عبر مياه البحر الأحمر وبحر العرب، وتعطل مؤثر لحركة الملاحة وسلاسل الامداد المتجهة والقادمة، علاوة على الخسائر التي تتكبدها الولايات المتحدة جراء اشتعال هذه المعابر المائية الهامة، خصوصاً عبر باب المندب، والمخاوف المبررة بالنسبة لاغلاق مضيق هرمز في حال استمرار حالة التوتر دون ضوابط رادعة!وفي ظلّ الحديث القديم المتجدد حول أهمية وجود هيكل أمني جماعي مستدام على مستوى دول المنطقة، وما يستتبعه بكل تأكيد من عدم السماح أميركيا وخليجيا بالضرورة، من عدم وجود اي فراغ أمني وعسكري على مستوى المنطقة، وفي ظلّ ما أحدثه الهروب الاميركي من افغانستان من فوضى ومخاوف بالنسبة لصناع القرار في هذه المنطقة، وعلى الرغم من نفي الصين باستمرار لطموحاتها في ملء اي فراغ محتمل بالنسبة لهذه المنطقة الحيوية من العالم!!بطبيعة الحال هناك العديد من الملفات الشائكة والمتداخلة على مستوى المنطقة، لعل آخرها الملفين اليمني والسوري على وجه التحديد، وما حدث هناك بعد سقوط نظام بشار الأسد وما جرى ويجري من تحولات في عملية ادارة الصراع، ورغبة بعض الأطراف الفاعلة ومنها أطراف مهمة مثل إيران والمملكة العربية السعودية من جانب وتركيا والكيان الصهيوني من جانبٍ آخر في استثمار ما يجري هناك لخلق معادلات جديدة على الأرض تحفظ مصالحها وفاعلية تأثيرها. لذلك نجد أن أبعاد زيارة أكبر مسؤول أمني سعودي لإيران ولقاءه مؤخراً بالمرشد الإيراني، تأتي كأحد ابرز المؤشرات على تحولات كبرى قادمة للمنطقة، ليست فقط، كما روّج، للدعوة للقاء مباشر بين الغريمين الأميركي والإيراني يقام على الأراضي السعودية، وهي زيارة بقدر ما تكشف عن رغبة المملكة السعودية في ترتيب أوراقها جيداً باتجاه استثمار الظرف السياسي الراهن، خاصة بعد وصول إدارة أميركية أقلّ ما يقال عنها إنها نهمة، بل جشعة إلى حد الاستخفاف بكل الثوابت السياسية والأمنية لتحقيق مصالحها واستعادة حضورها بشكل يبعد الصين أو أي قوة إقليمية او دولية أخرى عن الانفراد بأدوات اللعب ونتائجه، لذلك نجدها تحاور الطرف الإيراني وعينها بشكل معلن على الاستثمار بعشرات المليارات في السوق الإيراني، وهو الأكبر والأكثر إغراءاً لها على مستوى المنطقة، يزيدها تهافتاً رغبة الجانب الإيراني ذاته في تقديم ما يمكنه في مثل هذه الظروف الدقيقة من تلميحات وإشارات معلنة وهو في مسعاه لتحقيق انفراجة كبرى بالنسبة لملفه النوي وملف الصواريخ الباليستية وملف رفع الحصار ولو تدريجيا، مع رغبة جامحة لديه بتقليص حجم الخسائر والتراجعات في بقية الملفات على مستوى المنطقة واستمرارية الإمساك بها. لكل ذلك نقول إن نجاح مساعي التوافق الأميركي الإيراني المأمول وما يجري من تحولات في منطقتنا، وهو امر محمود وتحتاجه المنطقة بشدة نحو الاستقرار ومزيد من التنمية والتعاون الإقليمي، هي أمور ستفرض ضرورة إعادة هيكلة المنطقة بأسرها أمنياً وجيو سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً، وهي لذلك تحتم على دول مجلس التعاون وبقية دول المنطقة أن لا تقبل أبداً أن تكون لاعباً هامشياً في لعبة كبرى، ربما تكلف المنطقة تبعات كبرى في حال بقاءنا فقط في خانة ردّ الفعل وليس الفعل والتأثير الإيجابي في مصير المنطقة بأسرها.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا