بقلوب توشحت بمعطف الحزن والالم تلقينا نبأ وفاة الاستاذ القدير إبراهيم الجمري (ابو خليل) الذي توفي يوم الخميس 24 ابريل في قرية باربار بحزن بالغ عم القلوب . رحل بعد صراع طويل مع المرض، إذ خاض معركته الصحية بصبر واعتكاف، محاطاً بعائلته وأصدقائه.تعجز الكلمات أن تعبر عن الفقيد الذي كان مثالاً للتفاني والإخلاص والعطاء ونموذجاً للانضباط والاجتهاد والرقي في التعامل والكفاءة المهنية في العمل ورمزاً وطنياً اتسم بالاخلاص والجدية ومثالاً يحتذى به في الاخلاق والتواضع وحسن التعامل مع الاخرين، وهو الصديق الصدوق الوفي الطاهر النقي المثابر والمخلص في عمله، وما مشاعره الطيبة تجاه جميع زملائه، إلا دليل على أصالته، وبهذه الخصال حفر لنفسه طريقًا ممهدًا في الصخر، وأثبت وجوده بين الكبار لحبه للعلم والاستفادة من زملائه ذوي الخبرة، وشغفه لفن التعليم، وتفوقه في تخصصه الرياضيات وحسن خلقه ومعاملته الطيبة مع كل الناس من مجتمعه بمختلف أطيافهم وخدمتهم، رجل عنيد مثابر نبت عوده في قرية باربار، ويعتز ويفتخر بهذه القرية المعهودة، فقد أعطى مثالًا صادقًا للرجل البسيط النزيه في عمله وخدمة ابناء مجتمعه دون تمييز.وبرحيله تكون وزارة التربية قد فقدت أحد أعمدتها التعليمية المؤهلة التي خلدت اروع المحطات الخالدة وتركت سجلاً ناصعاً في تاريخ الوزارة . ليس هناك ما هو أشدّ إيلاماً على النفس من أن تتلقى نبأ وفاة صديق عزيز عليك، خاصة إذا كنت قد عاشرت هذا الصديق منذ الطفولة، وبقي وفياً صادقاً لهذه الصداقة الحميمة إلى آخر لحظة من حياته. صحيح أن الموت هو نهاية رحلتنا في الحياة، ولا بد أنه ملاقينا يوماً ما، إن عاجلاً أم آجلاً، ولكن في جميع الأحوال فالموت مثل الإرهاب، يتسلل إلينا خلسة ويختطف منا أعزاءنا واحداً بعد الآخر ودون أي إنذار.ما كنت أظن يا (ابو خليل) بأني سأرد سدود الذكريات، لأرشف منها ما أبلل به جفاف الفراق ولوعته، وأفتش بين ركامها عن نبرة صوتك، ورنين ضحكتك، ومشاركة أملك وألمك، واستعادة فوائدك ودررك، ولا أشغل القارئ بما بينك وبيني، لأطلعه على ما ينفعه وينفعك، لعل دعوة يبثها من قلبه تسعدك في قبرك.. أيها الصديق. فلا أدري من أين أبدأ، أأذكر ما تعرضت له من بلاء، أم شهامتك ووقوفك مع أصحابك وزملائك، وهبتك لمساعدتهم والتخفيف عنهم، أم برّك بوالديك، أم أبدأ بعطفك على الصغار وعنايتك بهم وادخال السرور عليهم، أم بساطتك وعفويتك، أو بما عرف عنك من وقوفك مع اصحابك ومن هم حولك، وتفاعلك معهم، واجتهادك لرفع ما يقع عليهم، وتفقدك لأحوالهم ووصلك لهم. تلتقيه فتشعر بجاذبية نحوه.. تحاول أن تبقيه معك كي تستفيد من مخزونه الثقافي وتجاربه الغزيرة فلا يبخل عليك بها ثم يغيب عنك مددًا طويلة ثم تراه أمامك فجأة.. تسعى لمعرفة ما يدور في ذهنه من أحلام فيمنحك فرصة للتعرف عليها. رجل صريح كحد السيف، إنسان ساحر في حديثه ونتاجه الفكري كسحر بلاده الطيبة.عزاؤنا لأولاده وإخوانه وأسرته وأهله وأصدقائه وزملائه ومحبيه وكل من له صلة بالفقيد.