المناضل احمد حميدان..وحدة النظرية والممارسة

0
41

في صباح الأحد 30 مارس 2025 والذي صادف يوم عيد الفطر المبارك، تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي الدعوة لتشييع المناضل د. احمد الشيخ محمد علي حميدان إلى مثواه الأخير في مقبرة الحورة بالعاصمة المنامة. وهكذا شهدت المقبرة توافد العديدين من أهل وأصدقاء الفقيد ومن مختلف الأجيال وهم في حالة حزن شديد.د. احمد حميدان شخصية استثنائية من بين المناضلين. سيتناول من سيتصدون للكتابة عن شخصيته مختلف جوانب هذه الشخصية الغنية ولن يستطيعوا أن يُوفوها حقها بالتأكيد. وسأحاول أن أتناول جانباً من هذه الشخصية، وهي وحدة النظرية والممارسة في شخصية المناضل والأكاديمي د. احمد حميدان .الوعي السياسي المبكر تفتّح وعي احمد حميدان في خمسينيات القرن الماضي على الحراك الوطني في وطنه البحرين في مقاومة الاستعمار البريطاني، وكانت الحركة الجماهيرية التي قادتها هيئة الاتحاد الوطني للتخلص من الحماية البريطانية، وكذلك في ارتباطه مع نضالات الأمة العربية وشعوبها للتخلص من الاستعمار البريطاني والفرنسي والاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين والضال من اجل تحقيق الوحدة العربية، ومقاومة تمدد سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على الوطن العربي، وتواطئ أنظمة عربية مع هذه القوى في مواجهة الأمة العربية وشعوبها. وفي خضمّ التطورات الوطنية والعربية والدولية، في الخمسينيات والستينيات، تبلورت في مجرى مقاومة شعوب الأمة العربية حركات وتنظيمات بعضها ذات طابع وطني وأخرى ذات طابع قومي ومنها حركة القوميين العرب، التي انبثقت في خمسينيات القرن الماضي في بيروت، عاصمة الفكر العربي حينها، وانتشرت في المشرق العربي ومنه منطقة الخليج العربي وضمنها البحرين.بالتسبة إلى أحمد حميدان، فقد انتسب وهو يافع إلى حركة القوميين العرب في البحرين، والتي خاضت النضالات الوطنية والقومية، ومن علاماتها البارزة انتفاضة مارس 1965 المجيدة، حيث دخلت في ائتلاف مع قوى وطنية مثل جبهة التحرير الوطني – البحرين للنهوض بمهام الانتفاضة. ونذكر هنا أنّ حركة القوميين العرب أسهمت ودعمت القضايا القومية وفي مقدّمتها قضية فلسطين وكفاح الشعوب العربية من أجل الاستقلال والتحرر والوحدة، ودعمت الأنظمة الوطنية وفي مقدمتها النظام الوطني في مصر بقيادة جمال عبد الناصر في تصديها للمشاريع الاستعمارية والصهيونية والرجعية.وفي ضوء التحوّلات الكبيرة التي كان يشهدها الوطن العربيـ والصراعات التي كانت تخوضها الشعوب العربية وأنظمتها الوطنية وقواها المناضلة، ضد التحالف الاستعماري والصهيوني والرجعي، فقد تحققت إنجازات كبيرة، كما شهدت هزائم فادحة أخطرها هزيمة 5 يونيو (حزيران) 1967وتبعاتها. ويمكن القول إنّه ترتب على هذه الهزيمة عدة استحقاقات أهمها تعزز خيار المقاومة الفلسطينية ومراجعة بنية وفكر الحركات والتنظيمات الوطنية والقومية ومنها حركة القوميين العرب.خيارات حميدان الفكرية والنضاليةانتمى أحمد حميدان إلى حركة القوميين العرب في الخمسينيات وهو في المرحلة الثانوية، ويُفترض أنه تدرج بسرعة في الترتيب التنظيمي. ففي العام 1961 توجه إلى القاهرة لمواصلة دراسته الجامعية. وفي ضوء تقرير قيادة التنظيم في البحرين إلى القيادة المركزية للحركة في بيروت عن وجود اختراقات لصفوف الحركة وانكشاف الكوادر القيادية لجهاز المخابرات، فقد كلفت القيادة المركزية أحمد حميدان بالرجوع إلى البحرين لمعالجة وترتيب الأوضاع التنظيمية. هنا تتضح طبيعة حميدان في المخاطرة بحياته في سبيل ما يؤمن به. في ظلّ تلك الأوضاع، كان مُقدّرا لحميدان أن يُعتقل ويُعذب ويستشهد، ولكنه لم يتردد وقبَل المهمة الخطرة وعاد إلى البحرين. عمل حميدان مع قيادة الحركة في البحرين على معالجة الوضع المفكك بل وإصدار نشرة “صوت الشعب” وإعادة بناء التنظيم. لكن ذلك لم يوقف مسلسل الاختراق والاعتقالات بحقّ عناصر التنظيم. وقد جرت اعترافات خطيرة على حميدان وكان سيعتقل، لولا أنه سارع في مايو 1963 إلى المغادرة على عجل إلى الظهران بالسعودية وبترتيب مع مناضلي الحركة من البحرينيين غادر إلى بيروت، وقدّم تقريراً تفصيلياً لقياده الحركة هناك.لم يستكن حميدان، بل واصل مهامه النضالية، فكلّف بمهمة دقيقة وخطيرة في دمشق بإدارة بعض خلايا الحركة، كونه عضو شعبة في ظلّ عهد الانفصال وظروف العمل السري الخطرة وترتب عليه اعتقاله وسجنه لستة أشهر. بعدها انتقل إلى الكويت وعمل في مجلة “الطليعة” لسان حال الحركة والمعارضة الكويتية والخليجية حتى 1965. انتقل بعدها إلى بيروت ليلتحق بجامعة بيروت العربية وينشط في العمل التنظيمي للحركة والنشاط الطلابي في رابطة طلبة البحرين في بيروت.ترتب على قمع انتفاضة مارس 1965 المجيدة، التي لعبت الحركة فيها دوراً قيادياً كما أشرنا، تشرذم التنظيم وسجن عدد من كوادره ولجوء العديد منهم إلى الكويت والسعودية وغيرها. لكن حميدان لم ييأس وواصل عمله النضالي، ونهض هو ومناضلون آخرون ومنهم عبد الرحمن كمال وعبد الرحمن النعيمي بمهام صعبة في بناء تنظيم الحركة والتنظيمات الوطنية التي تفرّعت عنها في منطقة الخليج والجزيرة العربية ومهام نضالية للحركة على المستوى القومي. وكان حميدان في قيادة رابطة طلبة البحرين في بيروت بتشكيلتها الوطنية والتي كان لها دور مهم في الحركة الطلابية البحرينية وقيام الاتحاد الوطني لطلبة البحرين لاحقاً ولعب دورا أساسياً في رفد النضال الوطني. حميدان وتحوّلات الحركة يعتبر المناضل احمد حميدان من أهمّ المناضلين في حركة القوميين العرب الذين تصدّوا لضرورة التحولات السياسية والفكرية في الحركة والانتقال باستراتيجية النضال الوطني والقومي. لقد كان من روّاد الدعوة لاستخلاص دروس هزيمة يونيو1967 ومراجعة المنطلقات الفكرية لحركة القوميين العرب واستراتيجيتها وبنيتها، والعلاقة ما بين المركز والفروع، والعلاقة ما بين قيادة الحركة في الكويت وتنظيماتها في الخليج والجزيرة العربية. هناك العديد من العوامل التي أسهمت في هذه التحولات ومنها التحولات في النظام الناصري باتجاه ملكية الدولة في 1960 وكارثة الانفصال في 1961 وفشل الوحدة الثلاثية في 1963 والتوجه الاشتراكي للنظام الناصري بعدها وانتصار الثورات المسلحة ضد الاستعمار عربياً ودولياً، وهزيمة يونيو 1967وانتشار الفكر الاشتراكي. كان حميدان في مختلف مواقعه النضالية ومنها موقعه القيادي في الحركة مساهماً في التحولات الفكرية والتنظيمية للحركة وأهمّ محطاتها في مؤتمرات واجتماعات الحركة منذ 1962 حتى 1969، والتي أسهمت في التحولات الفكرية في حركة القوميين العرب باتجاه تبني الفكر الاشتراكي العلمي، وتحولات تنظيمية وبنيوية، من تنظيم مركزي إلى تنظيمات وطنية يسارية تتبنى التغييرات الجذرية، ومنها فرع الخليج العربي للحركة. وبالنسبة لمنطقة الخليج والجزيرة العربية فقد واكبت هذه التحولات، حيث عقد المؤتمر الأول لفروع الحركة في الخليج والجزيرة العربية في بيروت في ديسمبر 1967 وماتبعه من مؤتمرات واجتماعات في دبي وبيروت، وترتب على ذلك انضواء تنظيمات الحركة في الخليج في الحركة الثورية الشعبية في عمان والخليج العربي وتبنيها نهجاً يسارياً واشتراكياً وجذرياً للنضال مع وجود معارضة لذلك في صفوف مناضلي الحركة وفروعها وخصوصا فرع الكويت. ورغم ذلك فقد استمرّ النضال المشترك لهذه التنظيمات ولهؤلاء المناضلين المتباينين في مقارباتهم الفكرية والنضالية.وهنا أيضا فإن المناضل احمد حميدان كان في خضم هذه التحولات فكرياً ونضالياً. من بيروت انتقل إلى دبي مع رفيقه المناضل عبد الرحمن النعيمي والمناضل احمد الربعي ليسهموا في قيادة التنظيم الجديد والنضال الصعب في بيئة خطرة. وكان الأخطر انتقاله مع د. احمد الربعي إلى عُمان حيث جرى اعتقالهما في يونيو 1970 قبيل شهر من تسلم السلطان قابوس بن سعيد آل تيمور وما جرى من تحوّلات كبيرة شهدتها عمان. لقد جرى سجن كلّ من احمد حميدان واحمد الربعي في سجن كوت الجلالي الرهيب، ثم تمّ تسليم الربعي إلى الكويت وحميدان إلى البحرين، حيث مكث في السجن حتى ديسمبر 1973 واطلق سراحه ضمن إجراءات الانفتاح التي رافقت إصدار الدستور وانتخاب المجلس الوطني في ديسمبر 1973.يعرف المناضلون الذين عاصروه في السجن، دوره الإيجابي والنشط في الحوارات التي كانت تدور فيما بينهم رغم كل التجارب المحبطة وتجربة السجن المريرة في كوت الجلالي بمسقط وما مرّ به من تعذيب رهيب في مسقط ثم في البحرين. كما يدرك من يعرف حميدان تفاؤله وشجاعته في أحلك الظروف واستعداده للمراجعة ونقد الذات.المرحلة الأكاديميةبعد خروجه من السجن وفي ظل الحصار والملاحقة للمعارضين وخصوصاً السجناء السياسيين السابقين، قرر حميدان أن يسافر الى الإمارات حيث سبقه أخوه د. علي حميدان والذي أسهم في بناء دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال وزارة الخارجية ووزيرها الشخصية الوطنية والقومية أحمد خليفة السويدي في ظل رئاسة الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان الحكيمة لاتحاد الامارات. كان حلم حميدان أن يواصل التحصيل العلمي وهكذا ذهب إلى باريس حيث يتوجب عليه تعلم واتقان اللغة الفرنسية. وبروح المثابرة والتصميم، انغمس حميدان في الدراسة الأكاديمية لنيل الدكتوراه من جامعة نانتير العاشرة لباريس، وهي من أعرق الجامعات الفرنسية. وخلال إعداده للدكتوراه وضمن متطلباتها فقد كتب عدداً من البحوث المهمة، بينها بحث عن الأمن في منطقة الخليج، وآخر حول الشورى والديمقراطية في الإسلام، والتجربة الديمقراطية في البحرين 1972-1975. ونال درجة الدكتوراه عن بحثه حول الحركة الوطنية الحديثة في البحرين في الفترة 1954 – 1983.كما أن له دراسات أخرى ومنها حركة هيئة الاتحاد الوطني في البحرين والحركة النسائية في البحرين. من المهم هنا أنه خلال سنوات تحصيله الأكاديمي في باريس، كانت المدينة المعروفة بعاصمة النور، تعج بالنشاط الثقافي والسياسي والتفاعلي مع نضالات الشعوب ومنها النضال الوطني في الخليج العربي، ومن تجليات ذلك تشكيل لجنه مناصرة شعب الخليج، ومن أبرز قادتها المناضل مارك بيلاس وهو أيضاً أكاديمي رياضيات وباحث متمكن وكاتب معروف. وقد ربطت حميدان وبيلاس صداقة وثيقة، وعن جدية حميدان الأكاديمية، يقول مارك إنه وقبل تقديم حميدان لأطروحة الدكتوراه، حرص ان يناقش مسودة الأطروحة مع عدد من المختصين في موضوعها، والمنهجية العلمية ومنهم بيلاس والذي اعجب بتواضع حميدان رغم تجاربه ومعارفه الغنية.بعد تخرجه عمل حميدان بالمجمع الثقافي في ابوظبي خلال الفترة من 1984 حتى 1997، وحين عاد بعدها الى البحرين، عمل في سفارة الامارات العربية المتحدة فيها، حتى تقاعده في 2011. وجدير بالذكر أن د. أحمد حميدان اقترن بالمرحومة الفنانة التشكيلية سميحة رجب وأنجبا ثلاث بنات هن دانة ومريم وتاله في ظل عائلة سعيدة ومتحابة.وفي هذا الصدد فإنه من الضروري لأهل الفقيد حميدان وأصدقائه والمناضلين الوطنيين أن يبادروا إلى توثيق سيرته النضالية وانجازاته الأكاديمية. كما أنّه من المهم ترجمة وإصدار دراساته واطروحته لنيل شهادة الدكتوراه، فهي إضافات نوعية لتاريخ الحركة الوطنية والخليجية والتحولات الكبيرة في البحرين والخليج العربي خلال المرحلة التي عالجتها هذه الدراسات.سيظلّ المرحوم المناضل د. احمد حميدان خالداً في ذاكرتنا وحاضراً في حياتنا من خلال سيرته النضالية من اجل الوطن وخليجنا العربي وأمته العربية، وإنجازاته البحثية والفكرية والأكاديمية التي تسهم في معرفةٍ أفضل لماضينا وحاضرنا.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا